﴿وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً﴾

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فَقَوْلُهُ تعالى: ﴿وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ﴾. كَانَ في حَقِّ بَنِي إِسْرَائِيلَ، لَمَّا كَانُوا صَابِرِينَ على أَوَامِرِ الله تعالى، وَتَرْكِ زَوَاجِرِهِ، وَتَصْدِيقِ رُسُلِهِ، وَكَانَ مِنْهُم أَئِمَّةً يَهْدُونَ إلى الحَقِّ بِأَمْرِ اللهِ تعالى، وَيَدْعُونَ إلى الخَيْرِ، ثمَّ لَمَّا بَدَّلُوا وَحَرَّفُوا وَأَوَّلُوا، سَلَبَهُمُ اللهُ تعالى ذَلِكَ المَقَامَ، وَصَارَتْ قُلُوبُهُم قَاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الكَلِمَ عَن مَوَاضِعِهِ، فلا عَمَلا صَالِحَاً، ولا اعْتِقَادَاً صَحِيحَاً.

وبناء على ذلك:

فَالضَّمِيرُ في قَوْلِهِ تعالى: ﴿وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً﴾. يَرْجِعُ إلى بَنِي إِسْرَائِيلَ؛ وَقَالَ بَعْضُ العُلَمَاءِ: بالصَّبْرِ واليَقِينِ تُنَالُ الإِمَامَةُ في الدِّينِ.

وَأَمَّا الضَّمِيرُ في قَوْلِهِ تعالى: ﴿إِنَّ رَبَّكَ هُوَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ﴾. فَيَرْجِعُ إلى جَمِيعِ المَخْلُوقَاتِ، بِمَا فِيهِم بَنُو إِسرَائِيلَ.

والضَّمِيرُ في قَوْلِهِ تعالى: ﴿هُوَ يَفْصِلُ﴾. رَاجِعٌ إلى اللهِ تعالى، لِيُفِيدَ التَّأْكِيدَ والاخْتِصَاصَ والحَصْرَ، فلا يَفْصِلُ بَيْنَ الخَلائِقِ يَوْمَ القِيَامَةِ إلا اللهُ تعالى، كَمَا قَالَ تعالى: ﴿لِمَنِ الْـمُلْكُ الْيَوْمَ للهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ﴾. هذا، والله تعالى أعلم.