الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
أولاً: كَفَالَةُ اليَتِيمِ وَالإِحْسَانُ إِلَيْهِ مَطْلُوبٌ مِنَّا شَرْعَاً، وَقَدْ حَضَّنَا الشَّرْعُ عَلَى رِعَايَةِ اليَتِيمِ وَكَفَالَتِهِ، قَالَ تعالى: ﴿فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلَا تَقْهَرْ﴾. وَقَالَ تعالى عَنِ الأَبْرَارِ: ﴿وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينَاً وَيَتِيمَاً﴾.
وَحَذَّرَ مِنَ الاعْتِدَاءِ عَلَى اليَتِيمِ وَظُلْمِهِ، وَخَاصَّةً في حُقُوقِهِ المَالِيَّةِ، فَقَالَ تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمَاً إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارَاً وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرَاً﴾.
وروى الإمام البخاري عَنْ سَهْلٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «وَأَنَا وَكَافِلُ اليَتِيمِ فِي الجَنَّةِ هَكَذَا» وَأَشَارَ بِالسَّبَّابَةِ وَالوُسْطَى، وَفَرَّجَ بَيْنَهُمَا شَيْئَاً. وَحَقٌّ عَلَى كُلِّ مَنْ سَمِعَ هَذَا الحَدِيثَ أَن يَعْمَلَ بِهِ طَمَعَاً بِمَعِيَّةِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ.
وروى الشيخان عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «السَّاعِي عَلَى الْأَرْمَلَةِ وَالْمِسْكِينِ، كَالمُجَاهِدِ فِي سَبِيلِ اللهِ ـ وَأَحْسِبُهُ قَالَ ـ وَكَالْقَائِمِ لَا يَفْتُرُ، وَكَالصَّائِمِ لَا يُفْطِرُ».
وروى الإمام أحمد عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، أَنَّ رَجُلَاً شَكَا إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَسْوَةَ قَلْبِهِ.
فَقَالَ: «امْسَحْ رَأْسَ الْيَتِيمِ، وَأَطْعِمِ الْمِسْكِينَ».
ثانياً: أَوْجَبَ اللهُ تعالى عَلَى العَبْدِ رِعَايَةَ أَهْلِهِ وَأَبْنَائِهِ، قَالَ تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارَاً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ﴾.
وَيَقُولُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «كُلُّكُمْ رَاعٍ، وَكُلُّكُمْ مَسْؤُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، الإِمَامُ رَاعٍ وَمَسْؤُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالرَّجُلُ رَاعٍ فِي أَهْلِهِ وَهُوَ مَسْؤُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ» رواه الإمام البخاري عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا.
وَيَقُولُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «كَفَى بِالمَرْءِ إِثْمَاً أَنْ يُضَيِّعَ مَنْ يَقُوتُ» رواه الإمام أحمد عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا.
وَيَقُولُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ اللهَ سَائِلٌ كُلَّ رَاعٍ عَمَّا اسْتَرْعَاهُ، أَحَفِظَ ذَلِكَ أَمْ ضَيَّعَ؟ حَتَّى يُسْأَلَ الرَّجُلُ عَلَى أَهْلِ بَيْتِهِ» رواه النسائي عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.
وَيَقُولُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا أَعْطَى اللهُ أَحَدَكُمْ خَيْرَاً فَلْيَبْدَأْ بِنَفْسِهِ وَأَهْلِ بَيْتِهِ» رواه الإمام مسلم عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.
وَيَقُولُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «دِينَارٌ أَنْفَقْتَهُ فِي سَبِيلِ اللهِ، وَدِينَارٌ أَنْفَقْتَهُ فِي رَقَبَةٍ، وَدِينَارٌ تَصَدَّقْتَ بِهِ عَلَى مِسْكِينٍ، وَدِينَارٌ أَنْفَقْتَهُ عَلَى أَهْلِكَ، أَعْظَمُهَا أَجْرَاً الَّذِي أَنْفَقْتَهُ عَلَى أَهْلِكَ» رواه الإمام مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.
وبناء على ذلك:
فَرِعَايَةُ الزَّوْجِ لِيَتَامَى مِنْ أَقَارِبِهِ لَهُ في ذَلِكَ أَجْرٌ عَظِيمٌ عِنْدَ اللهِ تعالى، وَلَكِنْ مَا يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ فِعْلُهُ هَذَا سَبَبَاً في إِثَارَةِ نُفُوسِ أَبْنَائِهِ عَلَيْهِ، وَذَلِكَ بِسَبَبِ إِهْمَالِهِ لِأَوْلَادِهِ وَرِعَايَةِ اليَتَامَى، فَدَرْءُ المَفَاسِدِ مُقَدَّمٌ عَلَى جَلْبِ المَصَالِحِ؛ فَمَنْ كَانَ يُحْسِنُ إلى اليَتَامَى عَلَيْهِ أَنْ يُحْسِنَ لِأَبْنَائِهِ أَوَّلَاً، وَمَنْ كَانَ يَرْعَى اليَتَامَى عَلَيْهِ أَنْ يَرْعَى أَبْنَاءَهُ أَوَّلَاً، حَتَّى يَكُونَ عَوْنَاً لِأَبْنَائِهِ عَلَى بِرِّهِ. هذا، والله تعالى أعلم.
ارسل إلى صديق |