الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
أولاً: مِنَ المَعْلُومِ أَنَّ الاسْتِمَاعَ إلى الآلَاتِ المُوسِيقِيَّةِ حَرَامٌ عِنْدَ جُمْهُورِ الفُقَهَاءِ، لِقَوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «لَيَكُونَنَّ مِنْ أُمَّتِي أَقْوَامٌ، يَسْتَحِلُّونَ الحِرَ وَالحَرِيرَ، وَالخَمْرَ وَالمَعَازِفَ» رواه الإمام البخاري عَنْ أَبِي مَالِكٍ الْأَشْعَرِيُّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.
وَقَدْ يَسْأَلُ بَعْضُهُمْ: مَا العِلَّةُ مِنْ تَحْرِيمِهَا؟ فَيَكُونُ الجَوَابُ: عَلَيْنَا بِطَاعَةِ اللهِ تعالى، وَبِطَاعَةِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، عَرَفْنَا العِلَّةَ وَالغَايَةَ أَمْ لَا، قَالَ تعالى: ﴿وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللهُ وَرَسُولُهُ أَمْرَاً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالَاً مُبِينَاً﴾.
ثانياً: مَعْلُومٌ عِنْدَ الفُقَهَاءِ بِأَنَّ اللهَ تعالى إِذَا حَرَّمَ شَيْئَاً حَرَّمَ بَيْعَهُ، روى الإمام مسلم عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا: أَنَّ رَجُلَاً أَهْدَى لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ رَاوِيَةَ خَمْرٍ (أَيْ: قِرْبَةً مُمْتَلِئَةً خَمْرَاً)
فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «هَلْ عَلِمْتَ أَنَّ اللهَ قَدْ حَرَّمَهَا؟».
قَالَ: لَا؛ فَسَارَّ إِنْسَانَاً.
فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «بِمَ سَارَرْتَهُ؟».
فَقَالَ: أَمَرْتُهُ بِبَيْعِهَا.
فَقَالَ: «إِنَّ الَّذِي حَرَّمَ شُرْبَهَا حَرَّمَ بَيْعَهَا».
قَالَ: فَفَتَحَ المَزَادَةَ حَتَّى ذَهَبَ مَا فِيهَا.
وروى الإمام أحمد عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «وَإِنَّ اللهَ إِذَا حَرَّمَ عَلَى قَوْمٍ شَيْئَاً، حَرَّمَ عَلَيْهِمْ ثَمَنَهُ».
وبناء على ذلك:
فَبَيْعُ الآلَاتِ المُوسِيقِيَّةِ لَا يَجُوزُ شَرْعَاً، لِأَنَّهُ عَوْنٌ عَلَى مَعْصِيَةِ اللهِ تعالى، وَالكَسْبُ يَكُونُ فِيهِ خَبِيثَاً. هذا، والله تعالى أعلم.