الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فَهَذَا الحَدِيثُ صَحِيحٌ رَوَاهُ الإمام مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَوْ لَمْ تُذْنِبُوا لَذَهَبَ اللهُ بِكُمْ، وَلَجَاءَ بِقَوْمٍ يُذْنِبُونَ، فَيَسْتَغْفِرُونَ اللهَ فَيَغْفِرُ لَهُمْ».
وَهَذَا الحَدِيثُ الشَّرِيفُ لَيْسَ فِيهِ تَرْغِيبٌ للوُقُوعِ في الذُّنُوبِ وَالمَعَاصِي ـ مَعَاذَ اللهِ تعالى ـ وَلَكِنَّهُ تَرْغِيبٌ للمُذْنِبِينَ في التَّوْبَةِ وَالإِنَابَةِ.
وَكَأَنَّهُ يَقُولُ: يَا عِبَادِي، لَو كُنْتُمْ كَالمَلَائِكَةِ الكِرَامِ الذينَ لَا يَعْصُونَ اللهَ مَا أَمَرَهُمْ، وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ، لَذَهَبَ بِكُمْ، وَلَجَاءَ بِقَوْمٍ يُذْنِبُونَ وَيَسْتَغْفِرُونَ.
وَذَلِكَ لِإِظْهَارِ صِفَاتِهِ عَزَّ وَجَلَّ وَآثَارِهَا، وَإِلَّا فَكَيْفَ يَظْهَرُ اسْمُ اللهِ تعالى الغَافِرِ الغَفَّارِ الغَفُورِ؟
وبناء على ذلك:
فَالحَدِيثُ صَحِيحٌ، وَلَيْسَ فِيهِ تَرْغِيبٌ لِفِعْلِ المَعَاصِي ـ مَعَاذَ اللهِ تعالى ـ بَلْ لِإِظْهَارِ آثَارِ أَسْمَائِهِ تَبَارَكَ وتعالى، وَمِنْ هَذَا المُنْطَلَقِ قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «كُلُّ بَنِي آدَمَ خَطَّاءٌ، وَخَيْرُ الْخَطَّائِينَ التَّوَّابُونَ» رواه الحاكم عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.
وَبَعْضُ النَّاسِ تَوَهَّمَ وَظَنَّ أَنَّ هَذَا الحَدِيثَ يَدْعُو إلى ارْتِكَابِ المَعَاصِي وَالعِيَاذُ بِاللهِ تعالى؛ كَيْفَ يَكُونُ هَذَا، وَاللهُ تعالى يَقُولُ: ﴿إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ﴾. هذا، والله تعالى أعلم.
ارسل إلى صديق |