الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فَقَدْ ذَكَرَ صَاحِبُ كِتَابِ كَشْفِ الخَفَا في كِتَابِهِ: مَنْ أَتَتْ عَلَيْهِ أَرْبَعُونَ سَنَةً، وَلَمْ يَغْلِبْ خَيْرُهُ شَرَّهُ فَلْيَتَجَهَّزْ إلى النَّارِ؛ أَنَّ الحَدِيثَ أَخْرَجَهُ الأَزْدِيُّ في تَرْجَمَةِ بَارِحِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَالِكٍ الهَرَوِيِّ بِسَنَدِهِ إلى ابْنِ عَبَّاسٍ رَفَعَهُ.
وَيَقُولُ القَارِيُّ: فَلَيْسَ في مَعْنَاهُ مَا يَدُلُّ عَلَى بُطْلَانِ مَبْنَاهُ.
وَيُؤَيِّدُ هَذَا مَا ذَكَرَهُ الدَّيْلَمِيُّ بِلَا سَنَدٍ عَنْ جَابِرٍ مَرْفُوعَاً: مَنْ لَمْ يَرْعَوِ عِنْدَ الشَّيْبِ، وَيَسْتَحْيِ مِنَ العَيْبِ، وَلَمْ يَخْشَ اللهَ في الغَيْبِ، فَلَيْسَ للهِ فِيهِ حَاجَةٌ. وَهُوَ ضَعِيفٌ.
وَجَاءَ في كِتَابِ الحَدَائِقِ بِسَنَدٍ ضَعِيفٍ عَن عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ: جَاءَ جِبْرِيلُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: إِنَّ اللهَ أَمَرَ الحَافِظَيْنِ فَقَالَ لَهُمَا: ارْفُقَا بِعَبْدِي فِي حَدَاثَتِهِ حَتَّى إِذَا بَلَغَ الأَرْبَعِينَ فَاحْفَظَا وَحَقِّقَا.
وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ، قَالَ مَسْرُوقٌ: إِذَا بَلَغْتَ الأَرْبَعِينَ فَخُذْ حَذَرَكَ.
وبناء على ذلك:
فَهَذِهِ الجُمْلَةُ لَيْسَتْ مِنْ أَحَادِيثِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَإِذَا صَحَّتْ بِسَنَدِهَا إلى بَعْضِ الصَّحَابَةِ فَهِيَ مَحْمُولَةٌ عَلَى مَنْ مَاتَ وَهُوَ مُصِرٌّ عَلَى السَّيِّئَاتِ وَلَمْ يَتُبْ إلى اللهِ تعالى، أَمَّا مَنْ تَابَ إلى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ قَبْلَ أَنْ تَقَعَ رُوحُهُ في الغَرْغَرَةِ فَتَوْبَتُهُ مَقْبُولَةٌ بِإِذْنِ اللهِ تعالى، روى الإمام أحمد والترمذي عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِنَّ اللهَ يَقْبَلُ تَوْبَةَ العَبْدِ مَا لَمْ يُغَرْغِرْ».
وروى الإمام أحمد عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْبَيْلَمَانِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: اجْتَمَعَ أَرْبَعَةٌ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ أَحَدُهُمْ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «إِنَّ اللهَ يَقْبَلُ تَوْبَةَ الْعَبْدِ قَبْلَ أَنْ يَمُوتَ بِيَوْمٍ».
فَقَالَ الثَّانِي: آنْتَ سَمِعْتَ هَذَا مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ؟
قَالَ: نَعَمْ.
قَالَ: وَأَنَا سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «إِنَّ اللهَ يَقْبَلُ تَوْبَةَ الْعَبْدِ قَبْلَ أَنْ يَمُوتَ بِنِصْفِ يَوْمٍ».
فَقَالَ الثَّالِثُ: آنْتَ سَمِعْتَ هَذَا مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ؟
قَالَ: نَعَمْ.
قَالَ: وَأَنَا سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «إِنَّ اللهَ يَقْبَلُ تَوْبَةَ الْعَبْدِ قَبْلَ أَنْ يَمُوتَ بِضَحْوَةٍ».
قَالَ الرَّابِعُ: آنْتَ سَمِعْتَ هَذَا مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ؟
قَالَ: نَعَمْ.
وَأَنَا سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «إِنَّ اللهَ يَقْبَلُ تَوْبَةَ الْعَبْدِ مَا لَمْ يُغَرْغِرْ بِنَفَسِهِ». هذا، والله تعالى أعلم.
ارسل إلى صديق |