تقبيل يد العالم

9853 - تقبيل يد العالم

31-07-2019 1322 مشاهدة
 السؤال :
مَا حُكْمُ تَقْبِيلِ يَدِ العَالِمِ؟
 الاجابة :
رقم الفتوى : 9853
 2019-07-31

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

أولاً: مَا وَرَدَ في الأَحَادِيثِ الشَّرِيفَةِ:

روى الترمذي عَنْ صَفْوَانَ بْنِ عَسَّالٍ قَالَ: قَالَ يَهُودِيٌّ لِصَاحِبِهِ: اذْهَبْ بِنَا إِلَى هَذَا النَّبِيِّ.

فَقَالَ صَاحِبُهُ: لَا تَقُلْ نَبِيٌّ، إِنَّهُ لَوْ سَمِعَكَ كَانَ لَهُ أَرْبَعَةُ أَعْيُنٍ.

فَأَتَيَا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ فَسَأَلَاهُ عَنْ تِسْعِ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ.

فَقَالَ لَهُمْ: «لَا تُشْرِكُوا بِاللهِ شَيْئَاً، وَلَا تَسْرِقُوا، وَلَا تَزْنُوا، وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللهُ إِلَّا بِالحَقِّ، وَلَا تَمْشُوا بِبَرِيءٍ إِلَى ذِي سُلْطَانٍ لِيَقْتُلَهُ، وَلَا تَسْحَرُوا، وَلَا تَأْكُلُوا الرِّبَا، وَلَا تَقْذِفُوا مُحْصَنَةً، وَلَا تُوَلُّوا الفِرَارَ يَوْمَ الزَّحْفِ، وَعَلَيْكُمْ خَاصَّةً اليَهُودَ أَنْ لَا تَعْتَدُوا فِي السَّبْتِ».

قَالَ: فَقَبَّلُوا يَدَيْهِ وَرِجْلَيْهِ؛ فَقَالَا: نَشْهَدُ أَنَّكَ نَبِيٌّ.

وروى أبو داود عَنْ أُمِّ أَبَانَ بِنْتِ الْوَازِعِ بْنِ زَارِعٍ، عَنْ جِدِّهَا زَارِعٍ وَكَانَ فِي وَفْدِ عَبْدِ الْقَيْسِ قَالَ: لَمَّا قَدِمْنَا المَدِينَةَ فَجَعَلْنَا نَتَبَادَرُ مِنْ رَوَاحِلِنَا، فَنُقَبِّلُ يَدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ وَرِجْلَهُ.

وَجَاءَ في جَامِعِ بَيَانِ العِلْمِ وَفَضْلِهِ عَنِ الشَّعْبِيِّ قَالَ: صَلَّى زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ عَلَى جِنَازَةٍ ثُمَّ قُرِّبَتْ لَهُ بَغْلَةٌ لِيَرْكَبَهَا فَجَاءَ ابْنُ عَبَّاسٍ فَأَخَذَ بِرِكَابِهِ، فَقَالَ لَهُ زَيْدٌ: خَلِّ عَنْهُ يَا ابْنَ عَمِّ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ.

فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: هَكَذَا يُفْعَلُ بِالْعُلَمَاءِ وَالْكُبَرَاءِ.

ثُمَّ إِنَّ زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ كَافَأَ ابْنَ عَبَّاسٍ عَلَى أَخَذِهِ بِرِكَابِهِ أَنْ قَبَّلَ يَدَهُ، وَقَالَ: هَكَذَا أُمِرْنَا أَنْ نَفْعَلَ بِأَهْلِ بَيْتِ نَبِيِّنَا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ.

وروى الإمام البخاري في الأَدَبِ المُفْرَدِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ رَزِينٍ قَالَ: مَرَرْنَا بِالرَّبَذَةِ فَقِيلَ لَنَا: هَا هُنَا سَلَمَةُ بْنُ الْأَكْوَعِ، فَأَتَيْنَاهُ فَسَلَّمْنَا عَلَيْهِ، فَأَخْرَجَ يَدَيْهِ فَقَالَ: بَايَعْتُ بِهَاتَيْنِ نَبِيَّ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، فَأَخْرَجَ كَفَّاً لَهُ ضَخْمَةً كَأَنَّهَا كَفُّ بَعِيرٍ، فَقُمْنَا إِلَيْهَا فَقَبَّلْنَاهَا.

وَجَاءَ في فَتْحِ البَارِي لِابْنِ حَجَرٍ: وَعَنْ ثَابِت أَنَّهُ قَبَّلَ يَدَ أَنَسٍ، وَأَخْرَجَ أَيْضَاً أَنَّ عَلِيَّاً قَبَّلَ يَدَ العَبَّاسِ وَرِجْلَهُ، وَعَنْ أَبِي مَالِكٍ الْأَشْجَعِيِّ قَالَ: قُلْتُ لِابْنِ أَبِي أَوْفَى: نَاوِلْنِي يَدَكَ الَّتِي بَايَعْتَ بِهَا رَسُول اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ؛ فَنَاوَلَنِيهَا فَقَبَّلْتُهَا. اهـ.

وَجَاءَ في البِدَايَةِ وَالنِّهَايَةِ في قِصَّةِ فَتْحِ بَيْتِ المَقْدِسِ عَلَى يَدِ عُمَرَ بْنِ الخَطَّابِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ .... قَالَ: فَلَمَّا وَصَلَ ـ يَعْنِي عُمَرَ ـ إِلَى الشَّامِ تَلَقَّاهُ أَبُو عُبَيْدَةَ وَرُؤُوسُ الْأُمَرَاءِ، كَخَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ، وَيَزِيدَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ، فَتَرَجَّلَ أَبُو عُبَيْدَةَ وَتَرَجَّلَ عُمَرُ فَأَشَارَ أَبُو عُبَيْدَةَ لِيُقَبِّلَ يَدَ عُمَرَ، فَهَمَّ عُمَرُ بِتَقْبِيلِ رِجْلِ أَبِي عُبَيْدَةَ، فَكَفَّ أَبُو عُبَيْدَةَ، فَكَفَّ عُمَرُ.

ثانياً: أَقْوَالُ الأَئِمَّةِ الأَرْبَعَةِ:

ذَهَبَ الحَنَفِيَّةُ إلى جَوَازِ تَقْبِيلِ يَدِ العَالِمِ، قَالَ ابْنُ عَابِدِينَ في حَاشِيَتِهِ: وَلَا بَأْسَ بِتَقْبِيلِ يَدِ الرَّجُلِ الْعَالِمِ وَالْمُتَوَرِّعِ عَلَى سَبِيلِ التَّبَرُّكِ؛ وَقِيلَ سُنَّةٌ. اهـ.

وَفِي حَاشِيَةِ الطَّحْطَاوِيِّ عَلَى مَرَاقِي الفَلَاحِ، قَالَ: وَفِي غَايَةِ البَيَانِ عَنِ الوَاقِعَاتِ: تَقْبِيلُ يَدِ العَالِمِ أَو السُّلْطَانِ العَادِلِ جَائِزٌ.

وَقَالَ الْإِمَامُ الْعَيْنِيُّ بَعْدَ كَلَامٍ: فَعُلِمَ إبَاحَةُ تَقْبِيلِ الْيَدِ وَالرِّجْلِ وَالرَّأْسِ. اهـ.

وَذَهَبَ المَالِكِيَّةُ إلى الجَوَازِ، فَقَالَ الإِمَامُ مَالِكٌ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: إِنْ كَانَتْ ـ قُبْلَةُ يَدِ الرَّجُلِ ـ عَلَى وَجْهِ التَّكَبُّرِ وَالتَّعْظِيمِ فَمَكْرُوهَةٌ، وَإِنْ كَانَتْ عَلَى وَجْهِ القُرْبَةِ إِلَى اللهِ لِدِينِهِ أَو لِعِلْمِهِ أَو لِشَرَفِهِ فَإِنَّ ذَلِكَ جَائِزٌ. اهـ. كذا في فَتْحِ البَارِي.

وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ إلى الجَوَازِ، قَالَ الإِمَامُ النَّوَوِيُّ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: تَقْبِيلُ يَدِ الرَّجُلِ لِزُهْدِهِ وَصَلَاحِهِ، وَعِلْمِهِ، أَو شَرَفِهِ، أَو نَحْوِ ذَلِكَ مِنَ الأُمُورِ الدِّينِيَّةِ لَا يُكْرَهُ، بَلْ يُسْتَحَبُّ، فَإِنْ كَانَ لِغِنَاهُ أَو شَوْكَتِهِ أَو جَاهِهِ عِنْدَ أَهْلِ الدُّنْيَا فَمَكْرُوهٌ شَدِيدُ الكَرَاهَةِ. اهـ. كذا في فَتْحِ البَارِي.

وَذَهَبَ الحَنَابِلَةُ إلى الجَوَازِ، قَالَ المَرُّوذِيُّ: سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللهِ عَنْ قُبْلَةِ الْيَدِ، فَقَالَ: إنْ كَانَ عَلَى طَرِيقِ التَّدَيُّنِ فَلَا بَأْسَ؛ قَبَّلَ أَبُو عُبَيْدَةَ يَدَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا؛ وَإِنْ كَانَ عَلَى طَرِيقِ الدُّنْيَا فَلَا. اهـ. كذا في غذاء الألباب.

وَرَحِمَ اللهُ تَعَالَى مَنْ قَالَ:

قَبِّلْ يَدَ الخِيَرَةِ أَهْلِ التُّقَى    ***   وَلَا تَخَفْ طَعْنَ أَعَادِيهِمْ

رَيْـحَـانَـةُ الـرَّحْمَنِ عُبَّادُهُ   ***   وَشَـمُّـهَـا لَـثْـمُ أَيَادِيهِمْ

وَبِنَاءً عَلَى ذَلِكَ:

فَتَقْبِيلُ يَدِ العَالِمِ العَامِلِ جَائِزٌ شَرْعَاً، وَلَا إِشْكَالَ فِيهِ، وَخَاصَّةً إِذَا كَانَ العَالِمُ العَامِلُ مُتَوَاضِعَاً.

وَأَنَا أَنْصَحُ بِعَدَمِ المُغَالَاةِ خَاصَّةً في هَذِهِ الآوِنَةِ التي كَثُرَ فِيهَا نُفُورُ الشَّبَابِ مِنْ هَذِهِ المُغَالَاةِ؛ لِأَنَّ دَرْءَ المَفَاسِدِ مُقَدَّمٌ عَلَى جَلْبِ المَصَالِحِ. هذا، والله تعالى أعلم.

1322 مشاهدة
الملف المرفق
 
 
 

مواضيع اخرى ضمن  مسائل متفرقة في الحظر والإباحة

 السؤال :
 2023-12-29
 526
زَوْجَتِي صَاحِبَةُ دِينٍ وَخُلُقٍ، إِلَّا أَنَّهَا عِنْدَمَا تَتَحَدَّثُ مَعَ زُمَلَائِهَا في العَمَلِ تُمَازِحُهُمْ، وَتَضْحَكُ إِلَيْهِمْ، وَقَدْ قَدَّمْتُ لَهَا النُّصْحَ، وَلَكِنْ بِدُونِ جَدْوَى، فَمَاذَا أَفْعَلُ؟
 السؤال :
 2023-12-29
 380
بِسَبَبِ الظُّرُوفِ القَاهِرَةِ في بَلَدِنَا، اضْطُرِرْنَا للسَّفَرِ خَارِجَ القُطْرِ مَعَ زَوْجِي وَأَخِيهِ وَزَوْجَتِهِ، فَمَا الحُكْمُ الشَّرْعِيُّ في السَّكَنِ سَوِيَّةً في مَنْزِلٍ وَاحِدٍ؟
 السؤال :
 2023-12-29
 185
أَنَا أَهْوَى الرَّسْمَ، وَأَعْلَمُ أَنَّ رَسْمَ ذِي رُوحٍ لَا يَجُوزُ، وَلَكِنْ هَلْ يَجُوزُ أَنْ أَرْسُمَ صُورَةَ إِنْسَانٍ مِنْ خَلْفِهِ؟
 السؤال :
 2023-12-29
 90
مَا حُكْمُ الشَّرْعِ في إِقَامَةِ المَرْأَةِ المُسْلِمَةِ في البِلَادِ الغَرْبِيَّةِ؟
 السؤال :
 2023-03-25
 544
مَا الحُكْمُ الشَّرْعِيُّ في تَعْلِيقِ الخَرَزَةِ الزَّرْقَاءِ، المَرْسُومِ عَلَيْهَا عَيْنٌ، مِنْ أَجْلِ الوِقَايَةِ مِنْ عَيْنِ الحَاسِدِ؟
 السؤال :
 2023-03-10
 796
مَا الحُكْمُ الشَّرْعِيُّ بِتَبَرُّعِ الأَعْضَاءِ بِدُونِ مُقَابِلٍ؟

الفهرس الموضوعي

البحث في الفتاوى

الفتاوى 5613
المقالات 3152
المكتبة الصوتية 4740
الكتب والمؤلفات 20
الزوار 411767958
جميع الحقوق محفوظة لموقع الشيخ أحمد النعسان © 2024 
برمجة وتطوير :