لعذبهم وهو غير ظالم لهم

11413 - لعذبهم وهو غير ظالم لهم

12-08-2021 958 مشاهدة
 السؤال :
هَلْ هُنَاكَ حَدِيثٌ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ اللهَ تعالى لَو أَكَبَّ جَمِيعَ خَلْقِهِ في نَارِ جَهَنَّمَ، فَهُوَ لَيْسَ بِظَالِمٍ لَهُمْ؟
 الاجابة :
رقم الفتوى : 11413
 2021-08-12

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فَقَد روى الإمام أحمد عَنْ ابْنِ الدَّيْلَمِيِّ قَالَ: لَقِيتُ أُبَيَّ بْنَ كَعْبٍ، فَقُلْتُ: يَا أَبَا الْمُنْذِرِ، إِنَّهُ قَدْ وَقَعَ فِي نَفْسِي شَيْءٌ مِنْ هَذَا الْقَدَرِ، فَحَدِّثْنِي بِشَيْءٍ، لَعَلَّهُ يَذْهَبُ مِنْ قَلْبِي.

قَالَ: لَوْ أَنَّ اللهَ عَذَّبَ أَهْلَ سَمَاوَاتِهِ وَأَهْلَ أَرْضِهِ، لَعَذَّبَهُمْ وَهُوَ غَيْرُ ظَالِمٍ لَهُمْ، وَلَوْ رَحِمَهُمْ، كَانَتْ رَحْمَتُهُ لَهُمْ خَيْرًا مِنْ أَعْمَالِهِمْ، وَلَوْ أَنْفَقْتَ جَبَلَ أُحُدٍ ذَهَبًا فِي سَبِيلِ اللهِ، مَا قَبِلَهُ اللهُ مِنْكَ حَتَّى تُؤْمِنَ بِالْقَدَرِ، وَتَعْلَمَ أَنَّ مَا أَصَابَكَ لَمْ يَكُنْ لِيُخْطِئَكَ، وَمَا أَخْطَأَكَ لَمْ يَكُنْ لِيُصِيبَكَ، وَلَوْ مِتَّ عَلَى غَيْرِ ذَلِكَ، لَدَخَلْتَ النَّارَ.

قَالَ: فَأَتَيْتُ حُذَيْفَةَ، فَقَالَ لِي مِثْلَ ذَلِكَ، وَأَتَيْتُ ابْنَ مَسْعُودٍ، فَقَالَ لِي مِثْلَ ذَلِكَ، وَأَتَيْتُ زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ، فَحَدَّثَنِي عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ مِثْلَ ذَلِكَ.

أولًا: يَجِبُ الاعْتِقَادُ أَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَى اللهِ تَبَارَكَ وتعالى شَيْءٌ، وَلَا أَحَدَ يَسْتَطِيعُ أَنْ يُوجِبَ عَلَيْهِ شَيْئًا، إِلَّا مَا أَوْجَبَ هُوَ عَلَى نَفْسِهِ تَبَارَكَ وتعالى.

قَالَ تعالى: ﴿لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ﴾. وَقَالَ تعالى: ﴿إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ﴾. وَقَالَ تعالى: ﴿وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ﴾.

وَقَالَ كَذَلِكَ: ﴿كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ﴾.

وروى الإمام البخاري عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: بَيْنَا أَنَا رَدِيفُ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ لَيْسَ بَيْنِي وَبَيْنَهُ إِلَّا آخِرَةُ الرَّحْلِ، فَقَالَ: «يَا مُعَاذُ بْنَ جَبَلٍ».

قُلْتُ: لَبَّيْكَ رَسُولَ اللهِ وَسَعْدَيْكَ.

ثُمَّ سَارَ سَاعَةً ثُمَّ قَالَ: «يَا مُعَاذُ».

قُلْتُ: لَبَّيْكَ رَسُولَ اللهِ وَسَعْدَيْكَ.

ثُمَّ سَارَ سَاعَةً ثُمَّ قَالَ: «يَا مُعَاذُ».

قُلْتُ: لَبَّيْكَ رَسُولَ اللهِ وَسَعْدَيْكَ.

قَالَ: «هَلْ تَدْرِي مَا حَقُّ اللهِ عَلَى عِبَادِهِ»؟

قُلْتُ: اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ.

قَالَ: «حَقُّ اللهِ عَلَى عِبَادِهِ أَنْ يَعْبُدُوهُ، وَلَا يُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا».

ثُمَّ سَارَ سَاعَةً، ثُمَّ قَالَ: «يَا مُعَاذُ بْنَ جَبَلٍ».

قُلْتُ: لَبَّيْكَ رَسُولَ اللهِ وَسَعْدَيْكَ.

فَقَالَ: «هَلْ تَدْرِي مَا حَقُّ العِبَادِ عَلَى اللهِ إِذَا فَعَلُوهُ»؟

قُلْتُ: اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ.

قَالَ: «حَقُّ العِبَادِ عَلَى اللهِ أَنْ لَا يُعَذِّبَهُمْ».

ثانيًا: هَذَا الحَدِيثُ الشَّرِيفُ وَأَمْثَالُهُ يُشْهِدُونَ العَبْدَ تَقْصِيرَهُ، وَأَنَّهُ لَو اجْتَهَدَ في القِيَامِ بِالأَمْرِ غَايَةَ الاجْتِهَادِ، وَبَذَلَ كُلَّ مَا في وُسْعِهِ، فَهُوَ مُقَصِّرٌ في جَنْبِ اللهِ تعالى ﴿وَمَا قَدَرُوا اللهَ حَقَّ قَدْرِهِ﴾.

وَإِذَا شَهِدَ العَبْدُ مِنْ نَفْسِهِ هَذَا التَّقْصِيرَ، وَأَنَّهُ لَمْ يُوَفِّ رَبَّهُ في عُبُودِيَّتِهِ حَقَّهُ، وَلَا قَرِيبًا مِنْ حَقِّهِ، عَلِمَ تَقْصِيرَهُ، وَلَمْ يَسَعْهُ مَعَ ذَلِكَ غَيْرُ الاسْتِغْفَارِ، وَالاعْتِذَارِ مِنْ تَقْصِيرِهِ وَتَفْرِيطِهِ.

لِأَنَّهُ مَا مِنْ طَاعَةٍ ظَاهِرَةٍ وَبَاطِنَةٍ إِلَّا بِفَضْلِهِ ﴿وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللهِ﴾. ﴿وَلَكِنَّ اللهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ أُولَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ * فَضْلًا مِنَ اللهِ وَنِعْمَةً وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ﴾. ﴿فَمَنْ يُرِدِ اللهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ﴾. فَعَلَى أَيِّ شَيْءٍ يَطْلُبُ مِنَ اللهِ تعالى الأَجْرُ؟

فَجَمِيعُ طَاعَاتِ العَبْدِ وَاجِبَةٌ عَلَيْهِ، لِأَنَّ اللهَ تعالى أَسْبَغَ عَلَيْهِ النِّعَمَ التي لَا تُعَدُّ وَلا تُحْصَى قَبْلَ التَّكْلِيفِ، وَأَثْنَاءَ التَّكْلِيفِ، وَبَعْدَ التَّكْلِيفِ.

فَإِذَا أَثَابَهُ اللهُ تعالى كَانَ ذَلِكَ مُجَرَّدَ فَضْلٍ وَمِنَّةٍ وَإِحْسَانٍ إِلَيْهِ، وَمِنْ هُنَا يُفْهَمُ الحَدِيثُ الشَّرِيفُ، وَيُفْهَمُ كَذَلِكَ قَوْلُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «لَنْ يُدْخِلَ أَحَدًا عَمَلُهُ الجَنَّةَ».

قَالُوا: وَلَا أَنْتَ يَا رَسُولَ اللهِ؟

قَالَ: «لَا، وَلَا أَنَا، إِلَّا أَنْ يَتَغَمَّدَنِي اللهُ بِفَضْلٍ وَرَحْمَةٍ» رواه الإمام البخاري عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.

وَبِنَاءً عَلَى ذَلِكَ:

فَالحَدِيثُ صَحِيحٌ، لِأَنَّ العَبْدَ عَاجِزٌ عَنْ أَدَاءِ شُكْرِ اللهِ تعالى عَلَى أَصْغَرِ نِعْمَةٍ مِنْ نِعَمِهِ تَبَارَكَ وتعالى، روى البزار عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، عَن النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: «يُخْرَجُ لابْنِ آدَمَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ثَلَاثُ دَوَاوِينَ: دِيوَانٌ فِيهِ الْعَمَلُ الصَّالِحُ، وَدِيوَانٌ فِيهِ ذُنُوبُهُ، وَدِيوَانٌ فِيهِ النِّعَمِ مِنَ اللَهِ عَلَيْهِ؛ فَيَقُولُ اللهُ لأَصْغَرِ نِعْمَةٍ ـ أَحْسَبُهُ قَالَ ـ فِي دِيوَانِ النِّعَمِ: خُذِي ثَمَنَكِ مِنْ عَمَلِهِ الصَّالِحِ، فَيَسْتَوْعِبُ عَمَلَهُ الصَّالِحَ، ثُمَّ تَنَحَّى وَتَقُولُ: وَعِزَّتِكَ مَا اسْتَوْفَيْتُ، وَتَبْقَى الذُّنُوبُ وَالنِّعَمُ وَقَدْ ذَهَبَ الْعَمَلُ الصَّالِحُ كُلُّهُ، فَإِذَا أَرَادَ اللهُ أَنْ يَرْحَمَ عَبْدًا قَالَ: يَا عَبْدِي قَدْ ضَاعَفْتُ لَكَ حَسَنَاتِكَ وَتَجَاوَزْتُ عَنْ سَيِّئَاتِكَ ـ أَحْسَبُهُ قَالَ: ـ وَوَهَبْتُ لَكَ نِعْمَتِي».

اللَّهُمَّ عَامِلْنَا بِفَضْلِكَ لَا بِعَدْلِكَ. آمين. هذا، والله تعالى أعلم.

958 مشاهدة
الملف المرفق
 
 
 

مواضيع اخرى ضمن  فتاوى متعلقة بالحديث الشريف

 السؤال :
 2023-11-23
 4562
مَا صِحَّةُ حَدِيثِ: (أَشَدُّ النَّاسِ عَذَابًا اثْنَانِ: امْرَأَةٌ عَصَتْ زَوْجَهَا، وَإِمَامُ قَوْمٍ وَهُمْ لَهُ كَارِهُونَ)؟
 السؤال :
 2023-09-17
 4119
هَلْ صَحِيحٌ أَنَّ سَيِّدَنَا عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ رَفَضَ إِحْضَارَ كِتَابٍ أَرَادَ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَكْتُبَ فِيهِ للأُمَّةِ، حَتَّى لَا يَضِلُّوا مِنْ بَعْدِهِ؟
 السؤال :
 2023-08-07
 3397
مَا مَعْنَى قَوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «الوَالِدُ أَوْسَطُ أَبْوَابِ الجَنَّةِ»؟
 السؤال :
 2023-02-25
 3520
مَا صِحَّةُ الحَدِيثِ الشَّرِيفِ: «أُمَّتِي أُمَّةٌ مَرْحُومَةٌ»؟ وَمَا مَعْنَاهُ؟
 السؤال :
 2023-02-25
 1961
لَقَدِ انْتَشَرَتْ في صُفُوفِ النِّسَاءِ الأَحَادِيثُ المَكْذُوبَةُ عَنْ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، مِنْ قِبَلِ بَعْضِ النِّسَاءِ اللَّوَاتِي يَتَظَاهَرْنَ بِأَنَّهُنَّ دَاعِيَاتٌ إلى اللهِ تعالى، فَمَا حُكْمُ ذَلِكَ؟
 السؤال :
 2022-09-09
 3704
هُنَاكَ بَعْضُ المُشَكِّكِينَ في دِينِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، يَقُولُونَ: أَيْنَ المُسَاوَاةُ في دِينِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، مِنْ خِلَالِ قَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «أَقِيلُوا ذَوِي الْهَيْئَاتِ عَثَرَاتِهِمْ إِلَّا الْحُدُودَ»؟

الفهرس الموضوعي

البحث في الفتاوى

الفتاوى 5613
المقالات 3159
المكتبة الصوتية 4796
الكتب والمؤلفات 20
الزوار 412530776
جميع الحقوق محفوظة لموقع الشيخ أحمد النعسان © 2024 
برمجة وتطوير :