الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فَيَقُولُ اللهُ تَبَارَكَ وتعالى: ﴿وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ * إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ * فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ﴾.
لَقَدْ مَنَعَ اللهُ تَبَارَكَ وتعالى اسْتِبَاحَةَ الفُرُوجِ إِلَّا للزَّوْجَاتِ وَالمَمْلُوكَاتِ، أيْ: وَطْؤُهُنَّ بِمِلْكِ اليَمِينِ.
وَالإِنْسَانُ مَأْمُورٌ بِحِفْظِ نَسَبِهِ، وَبِحِفْظِ نَسَبِ أَوْلَادِهِ، وَلَا شَكَّ أَنَّ هَذَا التَّأْجِيرَ يَحْصُلُ بِهِ اخْتِلَاطُ الأَنْسَابِ وَالتَّدَاخُلُ فِيهَا، وَيَكُونُ في ذَلِكَ شُبْهَةٌ، وَفي ذَلِكَ تَدَاخُلٌ في النَّسَبِ.
وَكَذَلِكَ يُؤَدِّي إلى التَّنَازُعِ عَلَى الوَلَدِ، هَلْ هُوَ للزَّوْجَةِ صَاحِبَةِ البُوَيْضَةِ أَمْ لِلَّتِي أُلْقِيَتِ اللُّقَيْحَةُ في رَحِمِهَا، فَمَنْ هِيَ الأَحَقُّ؟
صَاحِبَةُ الرَّحِمِ المُسْتَأْجَرَةِ لَيْسَتْ أُمًّا لَهُ، لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ مَائِهَا، وَلَا مِنْ مَاءِ زَوْجِهَا، وَصَاحِبَةُ البُوَيْضَةِ لَيْسَتْ أُمًّا لَهُ لِأَنَّهَا مَا حَمَلَتْ بِهِ، وَلَا وَضَعَتْهُ.
وَبِنَاءً عَلَى ذَلِكَ:
فَإِنَّ بِدْعَةَ تَأْجِيرِ الأَرْحَامِ بِدْعَةٌ مِنَ الحَضَارَةِ الغَرْبِيَّةِ، التي لَا تَعْرِفُ للمَبَادِئِ وَالقِيَمِ الأَخْلَاقِيَّةِ وَزْنًا، وَلَا تَهْتَمُّ بِمَسْأَلَةِ الأَنْسَابِ.
فَاسْتِئْجَارُ الرَّحِمِ لَا يَجُوزُ شَرْعًا، لِأَنَّ الرَّحِمَ تَابِعٌ لِبُضْعِ المَرْأَةِ، وَالبُضْعُ لَا يَحِلُّ إِلَّا بِعَقْدٍ شَرْعِيٍّ كَامِلِ الشُّرُوطِ وَالأَرْكَانِ، فَالرَّحِمُ وَقْفٌ عَلَى الزَّوْجِ الشَّرْعِيِّ، وَلَا يَحِلُّ لِغَيْرِهِ أَنْ يَشْغَلَهُ بِحَمْلٍ دَخِيلٍ.
وَإِذَا كَانَتِ المُؤَجِّرَةُ لِرَحِمِهَا غَيْرَ مُتَزَوِّجَةٍ فَقَدْ أَبَاحَتْ بُضْعَهَا وَرَحِمَهَا لِرَجُلٍ أَجْنَبِيٍّ، وَهَذَا حَرَامٌ قَطْعًا، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ زِنًا كَامِلًا. هذا، والله تعالى أعلم.