وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته الجواب: الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد: امْرَأَةٌ عَصَتْ زَوْجَهَا سؤال 131: مَا صِحَّةُ حَدِيثِ: أَشَدُّ النَّاسِ عَذَابًا اثْنَانِ: امْرَأَةٌ عَصَتْ زَوْجَهَا، وَإِمَامُ قَوْمٍ وَهُمْ لَهُ كَارِهُونَ؟ الجواب: الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد: فَالحَدِيثُ رَوَاهُ الإِمَامُ التِّرْمِذِيُّ، وَهُوَ صَحِيحُ الإِسْنَادِ عَنْ عَمْرِو بْنِ الحَارِثِ بْنِ المُصْطَلِقِ قَالَ: كَانَ يُقَالُ: أَشَدُّ النَّاسِ عَذَابًا اثْنَانِ: امْرَأَةٌ عَصَتْ زَوْجَهَا، وَإِمَامُ قَوْمٍ وَهُمْ لَهُ كَارِهُونَ. قَالَ جَرِيرٌ: قَالَ مَنْصُورٌ: فَسَأَلْنَا عَنْ أَمْرِ الإِمَامِ؟ فَقِيلَ لَنَا: إِنَّمَا عَنَى بِهَذَا الْأَئِمَّةَ الظَّلَمَةَ، فَأَمَّا مَنْ أَقَامَ السُّنَّةَ فَإِنَّمَا الإِثْمُ عَلَى مَنْ كَرِهَهُ. وَفي رِوَايَةِ الإِمَامِ الحَاكِمِ عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «اثْنَانِ لَا تُجَاوِزُ صَلَاتُهُمَا رُءُوسَهُمَا: عَبْدٌ آبِقٌ مِنْ مَوَالِيهِ حَتَّى يَرْجِعَ، وَامْرَأَةٌ عَصَتْ زَوْجَهَا حَتَّى تَرْجِعَ». هَذَا الحَدِيثُ الشَّرِيفُ فِيهِ تَحْذِيرٌ للمَرْأَةِ مِنَ النُّشُوزِ، وَهُوَ حَرَامٌ، وَكَبِيرَةٌ مِنَ الكَبَائِرِ، لِمَا رَوَاهُ الإِمَامُ الحَاكِمُ عَنْ حُصَيْنِ بْنِ مِحْصَنٍ قَالَ: حَدَّثَتْنِي عَمَّتِي، قَالَتْ: أَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ فِي بَعْضِ الْحَاجَةِ، فَقَالَ: «أَيْ هَذِهِ أَذَاتُ بَعْلٍ أَنْتِ؟». قُلْتُ: نَعَمْ. قَالَ: «كَيْفَ أَنْتِ لَهُ؟». قَالَتْ: مَا آلُوهُ إِلَّا مَا عَجَزْتُ عَنْهُ. قَالَ: «فَأَيْنَ أَنْتِ مِنْهُ؟ فَإِنَّمَا هُوَ جَنَّتُكِ وَنَارُكِ». وَلِقَوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا بَاتَتِ المَرْأَةُ مُهَاجِرَةً فِرَاشَ زَوْجِهَا، لَعَنَتْهَا المَلاَئِكَةُ حَتَّى تَرْجِعَ» رَوَاهُ الشَّيْخَانِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ. وَبِنَاءً عَلَى ذَلِكَ: فَالحَدِيثُ صَحِيحٌ، وَفِيهِ تَحْذِيرٌ للمَرْأَةِ مِنَ النُّشُوزِ، لِأَنَّ المَرْأَةَ الصَّالِحَةَ هِيَ التي تُطِيعُ زَوْجَهَا، كَمَا قَالَ تعالى: ﴿فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللهُ وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا إِنَّ اللهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا﴾. وَأَمَّا حَدِيثُ: أَشَدُّ النَّاسِ عَذَابًا اثْنَانِ، فَيَعْنِي: مِنْ أَشَدِّ النَّاسِ عَذَابًا يَوْمَ القِيَامَةِ. هذا، والله تعالى أعلم. توفيق بين آية وحديث سؤال 132: كَيْفَ نُوَفِّقُ بَيْنَ قَوْلِهِ تعالى: ﴿وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ﴾. وَقَوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «مَا تَرَكْتُ بَعْدِي فِتْنَةً أَضَرَّ عَلَى الرِّجَالِ مِنَ النِّسَاءِ»؟ الجواب: الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد: فَلَا تَعَارُضَ بَيْنَ الآيَةِ الكَرِيمَةِ وَالحَدِيثِ الشَّرِيفِ؛ فَالآيَةُ الكَرِيمَةُ تَتَحَدَّثُ عَنْ فِتْنَةِ الرَّجُلِ في دِينِهِ؛ يَقُولُ الإِمَامُ القُرْطُبِيُّ رَحِمَهُ اللهُ تعالى: أَيْ: الفِتْنَةُ التي حَمَلُوكُمْ عَلَيْهَا، وَرَامُوا رُجُوعَكُمْ بِهَا إلى الكُفْرِ أَشَدُّ مِنَ القَتْلِ. اهـ. يَقُولُ مُجَاهِدٌ عِنْدَ هَذِهِ الآيَةِ: أَيْ: مِنْ أَنْ يُقْتَلَ المُؤْمِنُ، فَالقَتْلُ أَخَفُّ عَلَيْهِ مِنَ الفِتْنَةِ. وَقَالَ غَيْرُهُ: أَيْ: شِرْكُهُمْ بِاللهِ وَكُفْرُهُمْ بِهِ أَعْظَمُ جُرْمًا وَأَشَدُّ مِنَ القَتْلِ. وَأَمَّا قَوْلُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «مَا تَرَكْتُ بَعْدِي فِتْنَةً أَضَرَّ عَلَى الرِّجَالِ مِنَ النِّسَاءِ» فَوَاضِحٌ، فَالفِتْنَةُ بِهِنَّ أَشَدُّ مِنَ الفِتْنَةِ بِغَيْرِهِنَّ، وَيَشْهَدُ لِذَلِكَ قَوْلُ اللهِ تعالى: ﴿زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ﴾. وَبِنَاءً عَلَى ذَلِكَ: فَلَا تَعَارُضَ بَيْنَ الآيَةِ وَالحَدِيثِ، فَالفِتْنَةُ المُشَارُ إِلَيْهَا في القُرْآنِ العَظِيمِ هِيَ فِتْنَةُ الرَّجُلِ في دِينِهِ، فَالمُؤْمِنُ لَو خُيِّرَ بَيْنَ قَتْلِهِ وَالفِتْنَةِ في دِينِهِ لَاخْتَارَ القَتْلَ، لِأَنَّ قَتْلَهُ خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يُفْتَنَ في دِينِهِ. وَأَمَّا فِتْنَةُ الرِّجَالِ بِالنِّسَاءِ فَهِيَ أَشَدُّ الفِتَنِ، وَهَذَا لَا خِلَافَ عَلَيْهِ. هذا، والله تعالى أعلم.
ارسل إلى صديق |