الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فَصَدَقَةُ الفِطْرِ وَاجِبَةٌ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ كَبِيرٍ وَصَغِيرٍ، ذَكَرٍ وَأُنْثَى.
وَمِنْ شَرَائِطِ وُجُوبِهَا القُدْرَةُ عَلَى إِخْرَاجِهَا، وَقَدِ اخْتَلَفَ الفُقَهَاءُ في مَعْنَى القُدْرَةِ عَلَى إِخْرَاجِهَا.
فَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ إلى عَدَمِ اشْتِرَاطِ مِلْكِ النِّصَابِ في وُجُوبِ زَكَاةِ الفِطْرِ، فَهِيَ تَجِبُ عَلَى مَنْ عِنْدَهُ فَضْلٌ عَنْ قُوتِهِ، وَقُوتِ مَنْ في نَفَقَتِهِ لِلَيْلَةِ العِيدِ وَيَوْمِهِ، وَاسْتَدَلُّوا عَلَى ذَلِكَ بِقَوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ سَأَلَ وَعِنْدَهُ مَا يُغْنِيهِ، فَإِنَّمَا يَسْتَكْثِرُ مِنَ النَّارِ».
فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، وَمَا يُغْنِيهِ؟
قَالَ: «أَنْ يَكُونَ لَهُ شِبَعُ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ». أخرجه أبو داود.
فَدَلَّ هَذَا الحَدِيثُ الشَّرِيفُ عَلَى أَنَّ مَنْ عِنْدَهُ قُوتُ يَوْمِهِ فَهُوَ غَنِيٌّ وَجَبَ عَلَيْهِ أَنْ يُخْرِجَ مِمَّا زَادَ عَلَى قُوتِ يَوْمِهِ.
وَذَهَبَ الحَنَفِيَّةُ إلى أَنَّ مَعْنَى القُدْرَةِ عَلَى إِخْرَاجِ صَدَقَةِ الفِطْرِ، أَنْ يَكُونَ مَالِكَاً للنِّصَابِ الذي تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ، فَمَنْ مَلَكَ النِّصَابَ وَجَبَتْ عَلَيْهِ زَكَاةُ الفِطْرِ، وَاسْتَدَلُّوا عَلَى ذَلِكَ بِقَوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «لَا صَدَقَةَ إِلَّا عَنْ ظَهْرِ غِنَىً». أخرجه أحمد. وَالظَّهْرُ هَاهُنَا كِنَايَةً عَنِ القُوَّةِ، فَكَأَنَّ المَالَ للغَنِيِّ بِمَنْـزِلَةِ الظَّهْرِ عَلَيْهِ اعْتِمَادُهُ، وَلَا يُعْتَبَرُ غَنِيَّاً إِلَّا إِذَا مَلَكَ النِّصَابَ. هذا، والله تعالى أعلم.