الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
أَوَّلًا: صَدَقَ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ إِذْ يَقُولُ: «إِنَّ اللهَ لَا يَقْبِضُ العِلْمَ انْتِزَاعًا يَنْتَزِعُهُ مِنَ العِبَادِ، وَلَكِنْ يَقْبِضُ العِلْمَ بِقَبْضِ العُلَمَاءِ، حَتَّى إِذَا لَمْ يُبْقِ عَالِمًا اتَّخَذَ النَّاسُ رُؤُوسًا جُهَّالًا، فَسُئِلُوا فَأَفْتَوْا بِغَيْرِ عِلْمٍ، فَضَلُّوا وَأَضَلُّوا» رَوَاهُ الإِمَامُ البُخَارِيُّ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ العَاصِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا.
ثَانِيًا: رَوَى الإِمَامُ البُخَارِيُّ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: خَرَجَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ فِي أَضْحَى أَوْ فِطْرٍ إِلَى المُصَلَّى، فَمَرَّ عَلَى النِّسَاءِ، فَقَالَ: «يَا مَعْشَرَ النِّسَاءِ، تَصَدَّقْنَ فَإِنِّي أُرِيتُكُنَّ أَكْثَرَ أَهْلِ النَّارِ».
فَقُلْنَ: وَبِمَ يَا رَسُولَ اللهِ؟
قَالَ: «تُكْثِرْنَ اللَّعْنَ، وَتَكْفُرْنَ العَشِيرَ، مَا رَأَيْتُ مِنْ نَاقِصَاتِ عَقْلٍ وَدِينٍ أَذْهَبَ لِلُبِّ الرَّجُلِ الحَازِمِ مِنْ إِحْدَاكُنَّ».
قُلْنَ: وَمَا نُقْصَانُ دِينِنَا وَعَقْلِنَا يَا رَسُولَ اللهِ؟
قَالَ: «أَلَيْسَ شَهَادَةُ المَرْأَةِ مِثْلَ نِصْفِ شَهَادَةِ الرَّجُلِ».
قُلْنَ: بَلَى.
قَالَ: «فَذَلِكَ مِنْ نُقْصَانِ عَقْلِهَا، أَلَيْسَ إِذَا حَاضَتْ لَمْ تُصَلِّ وَلَمْ تَصُمْ».
قُلْنَ: بَلَى.
قَالَ: «فَذَلِكَ مِنْ نُقْصَانِ دِينِهَا»
ثَالِثًا: يَقُولُ الإِمَامُ النَّوَوِيُّ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى فِي المَجْمُوعِ شَرْحِ المُهَذَّبِ: فَأَجْمَعَتِ الْأُمَّةُ عَلَى تَحْرِيمِ الصَّوْمِ عَلَى الْحَائِضِ وَالنُّفَسَاءِ وَعَلَى أَنَّهُ لَا يَصِحُّ صَوْمُهَا.
وَقَال إِمَامُ الْحَرَمَيْنِ: وَكَوْنُ الصَّوْمِ لَا يَصِحُّ مِنْهَا لَا يُدْرَكُ مَعْنَاهُ، فَإِنَّ الطَّهَارَةَ لَيْسَتْ مَشْرُوطَةً فِيهَا.
وَأَجْمَعَتِ الْأُمَّةُ أَيْضًا عَلَى وُجُوبِ قَضَاءِ صَوْمِ رَمَضَانَ عَلَيْهَا، وَنَقَلَ الْإِجْمَاعَ فِيهِ التِّرْمِذِيُّ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ جَرِيرٍ وَأَصْحَابُنَا وَغَيْرُهُمْ. اهـ.
وَيَقُولُ ابْنُ عَبْدِ البَرِّ فِي التَّمْهِيدِ: وَهَذَا إِجْمَاعٌ أَنَّ الْحَائِضَ لَا تَصُومُ فِي أَيَّامِ حَيْضَتِهَا، وَتَقْضِي الصَّوْمَ وَلَا تَقْضِي الصَّلَاةَ، لَا خِلَافَ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ وَالْحَمْدُ للهِ، وَمَا أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَيْهِ فَهُوَ الْحَقُّ، وَالْخَبَرُ الْقَاطِعُ لِلْعُذْرِ، قَالَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا﴾ وَالْمُؤْمِنُونَ هُنَا الْإِجْمَاعُ. اهـ.
وَبِنَاءً عَلَى ذَلِكَ:
فَمَا أَفْتَى بِهِ طَالِبُ العِلْمِ هَذَا مِنْ أَقْبَحِ أَنْوَاعِ الجَهْلِ فِي دِينِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَهُوَ مِصْدَاقُ مَا أَخْبَرَ بِهِ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ مِنْ أَنَّ مِنْ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ أَنْ يُرْفَعَ العِلْمُ، وَيُوضَعَ الجَهْلُ.
وَلَا نَمْلِكُ إِلَّا أَنْ نَقُولَ: إِنَّا للهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ.
فَمُتَابَعَةُ المَرْأَةِ صِيَامَهَا فِي نَهَارِ رَمَضَانَ بَعْدَ أَنْ جَاءَتْهَا حَيْضَتُهَا لَا تَصِحُّ، وَتَحْرُمُ عَلَيْهَا المُتَابَعَةُ. هذا، والله تعالى أعلم.