الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فهذه الشركة تعمل وفق مفهوم التنظيم الهرمي، وأحياناً تسمى التسويق الشبكي، وتتلخص هذه الشركة في أن يشتري الشخص بعض منتجات الشركة مقابل الفرصة في إقناع الآخرين في الشراء من الشركة، ويأخذ هو مكافأة أو عمولة مقابل ذلك، ثم كل واحد من هؤلاء الذين انضموا للشركة يقومون بإقناع آخرين وهكذا، والنشاط لا يتحرك إلا إذا تحوَّل الجميع إلى وسطاء وسماسرة يعملون بوفاء لمعادلة بعيدة عن روح الشرع الحنيف وهي (الإنسان لخدمة المال).
الحكم الشرعي في التعامل مع هذه الشركة أنه لا يجوز شرعاً للأسباب التالية:
أولاً: لأن المشترك فيها في الحقيقة ليس هدفه شراء السلعة، بل هدفه الدخول لهذه الشركة من أجل الانضمام إليها، وانضمامه إليها ليس الهدف منه ترويج السلعة بل هدفه دعوة الآخرين للانضمام إليها.
ثانياً: لأنها تضمنت الربا بنوعيه ربا الفضل وربا النسيئة، فالمشترك يدفع مبلغاً قليلاً من المال ليحصل على مبلغ أكبر منه، والمُنْتَج الذي تبيعه الشركة للعميل ما هو إلا سِتَارٌ للمبادلة، فهو غير مقصود للمشترك.
ثالثاً: لأن فيها الغرر المحرَّم شرعاً، فالمشترك لا يدري هل ينجح في تحصيل العدد المطلوب من المشتركين أم لا؟ والنبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الغرر، كما جاء في الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: (نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع الحصاة وعن بيع الغرر) رواه مسلم.
رابعاً: لأنها مبنيَّة على الميسر وأكل أموال الناس بالباطل، واستغلالٌ لغريزة حبِّ الإكثار من المال، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلاَمُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُون}.
خامساً: يشتمل العقد فيها على بيعتين في بيع، وكذلك بيع وشرط، لأن الشركة تشترط على المشتري أن يأتي بأشخاص، ولا تعطيه العمولة إلا إذا جاء بالعدد المطلوب، وقد نَهَى رَسُولُ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ بَيْعَتَيْنِ فِي بَيْعَةٍ. رواه أحمد.
سادساً: لأنَّ الشركة بحدِّ ذاتها توجِّه دعمها لكسب الأعضاء لا لدعم المنتجات.
سابعاً: القول بأن هذا التعامل من السمسرة باطل، لأن السمسار (الوكيل) يأخذ أجراً مقابل السلعة، أما المشترك في هذه الشركة (ليكون وكيلاً وسمساراً لها) فهو الذي يدفع الأجر، وشراء المُنْتَج ستار فقط.
ثامناً: القول بأن العمولة التي يأخذها المشترك من باب الهبة قولٌ باطل، فليست كلُّ هبة جائزة شرعاً، عن أبي حميد الساعدي رضي الله عنه قال: خَطَبَنَا رسول الله صلى الله عليه وسلم فَحَمِدَ الله وَأَثْنَى عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ: (أَمَّا بَعْدُ، فَإِنِّي أَسْتَعْمِلُ الرَّجُلَ مِنْكُمْ عَلَى الْعَمَلِ مِمَّا وَلانِي اللَّهُ، فَيَأْتِي فَيَقُولُ هَذَا مَالُكُمْ وَهَذَا هَدِيَّةٌ أُهْدِيَتْ لِي، أَفَلا جَلَسَ فِي بَيْتِ أَبِيهِ وَأُمِّهِ حَتَّى تَأْتِيَهُ هَدِيَّتُهُ إِنْ كَانَ صَادِقًا)! رواه مسلم.
فهذه الشركة مبنية على أساس من المقامرة، وعلى أساس من الغرر، لأنَّ قيمة السلع أقلُّ بكثير من قيمتها الحقيقية، وهذه الزيادة في الثمن لولاها لما وجد برنامج التسويق الهرمي، ورحم الله من قال: أفلا أفردت أحد العقدين عن الآخر ثم نظرت هل كنت مبتاعه أو بائعه بهذا الثمن؟
بمعنى: لولا الاشتراك في هذه الشركة من أجل جلب المشتركين للاشتراك فيها بغية المال الموعود به هل يشتري أحد هذه السلعة بهذا الثمن؟
وبناء على ذلك:
فلا يجوز التعامل مع هذه الشركة، ولا يجوز الترويج والدعاية لها، لأنها مبنية على أساس من أكل أموال الناس بالباطل وعلى أساس من الغشِّ والخداع والمقامرة.
ومن ابتلي بذلك عليه أن يتوب إلى الله عز وجل من ذلك بأن يستردَّ ماله فقط، بدون زيادة إن استطاع، لقوله تبارك وتعالى: {وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُوسُ أَمْوَالِكُمْ لا تَظْلِمُونَ وَلا تُظْلَمُونَ}.
ويكون هذا الاسترداد من الشركة حصراً، لأنه لو أراد أن يبيع وكالته فهو بيع غير شرعي. وإن تعذَّر استردادُ المبلغ من الشركة فليحتسب الأجر عند الله عز وجل، وأن يعتبر ذلك من جملة المصاب المشار إليه بقوله تعالى: {وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِير}.
وقد كثر في هذا العصر التساهل بحجة ما يسمى بفقه التيسير، وارتكب الناس من خلال هذه الشركة الجديدة طرقاً محرمة في البيع والشراء وأكل أموال الناس بالباطل، وكم كان النبي صلى الله عليه وسلم حريصاً على أمته أن لا يأكلوا إلا طيِّباً كما كان يأكل الرسول صلى الله عليه وسلم، فقال: (أيها الناس، إن الله طيِّبٌ لا يقبل إلا طيباً، وإن الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين، فقال: {يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحاً إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ} [المؤمنون: 51] وقال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ} [البقرة: 271]. ثم ذَكَرَ الرجلَ يطيل السفر، أشعث أغبر، يمدُّ يديه إلى السماء: يا ربُّ يا ربُّ، ومطعَمُه حرام، ومشرَبُه حرام، وملبَسُه حرام، وغُذِيَ بالحرام، فأنَّى يُستجابُ له؟) رواه البخاري ومسلم.
فليحذر المسلمون من التجارة العالمية وشركاتها، وليحرص المسلم على البعد عن معاملات اليهود وعدم التأثُّر بأخلاق اليهود في التعامل المالي وغيره، لأن بريق المال جعل اليهود يحتالون على ما حرّم الله من قديم الزمان، كما هو معلوم في الشحوم، وصيد السمك والربا.. الخ، ولكونهم في هذا العصر هم قادة التجارة العالمية ومنظِّروها ومروِّجوها، فهم يبتكرون وسائل كثيرة للتحايل على الله، فقد رأينا في أسواق المسلمين أموراً لا عهد للتجار المسلمين بها، ولا تَمُتُّ إلى المعاملات الإسلامية بصلة، والفقه الإسلامي لا ينشأ في أحضان الحيل اليهودية ويبدأ يبحث عن الحلول وتصيُّد النصوص لأسلمة المعاملات اليهودية، فقد قَدِم الرسول صلى الله عليه وسلم وفي المدينة بيوع فحرّمها ونهى عنها، وأقرّ ما يندرج تحت القواعد الشرعية من العدل والقسط، ونهى عما يسبِّب العداوة والبغضاء.
وإنه لمن العجيب أن تقوم كثير من الدول الأجنبية، والتي من جملتها أمريكا، حيث رفعت وزارة التجارة الأمريكية قضية ضد شركة تسمى باسم سكاي بز، وهي شديدة الشبه بشركة كويست نت، تتهمها فيه بالغش والاحتيال على الناس، وصدر قرار المحكمة بولاية أوكلاهوما في 6/6/2001 بإيقاف عمليات الشركة وتجميد أصولها، تمهيداً لإعادة أموال العملاء الذين انضموا إليها. ثم نجد بعضاً من المسلمين من يروِّج لها، وربما البعض أخذ فتوى من بعض العلماء بجواز التعامل مع هذه الشركة.
وأخيراً أقول: هل بوسع أصحاب هذه الشركة أن يقبلوا الاشتراك معهم بدون شرط شراء سلعة من عندهم؟ لماذا لا يقبلون الوكيل عنهم إلا بشرط شراء السلعة؟ من كان بحاجة إلى وكلاء عنه لا يشترط على الوكيل أن يشتري من سلعته أولاً، وإن كان غنياً عن الوكلاء فلماذا الترويج من أجل وجود الوكلاء؟ متى يصحى المغفَّلون من غفلتهم؟
نسأل الله أن يجعلنا على بينة من أمرنا، وأن يهدينا سواء السبيل، وأن يكفَّ عنا كيد الكائدين، وخاصة كيد اليهود الذين يعملون جاهدين ليلاً ونهاراً لإفقار المسلمين. هذا، والله تعالى أعلم.