الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فالحمد لله الذي هداك للإسلام، وأرجو الله عز وجل أن يشرح صدر أهلك للإسلام، إنه على ما يشاء قدير.
أما بالنسبة للاختلاط بهم فلا حرج فيه شرعاً، لأن الإسلام لا يفرِّق بينك وبين أرحامك، فهم أرحامك على سائر الأحوال، ولقد ثبت أن أبا سفيان أتى المدينة وهو مشرك فدخل على ابنته أم حبيبة رضي الله عنها زوجة النبي صلى الله عليه وسلم، فلم تحتجب منه، ولم يأمرها رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك [روى القصةَ البيهقيُّ في دلائل النبوة].
فيبقى والدك وإخوتك أرحاماً لك، فلا حرج من كشف الوجه والرأس واليدين والقدمين أمامهم، والحشمة مطلوبة في سائر الأحوال أمام الأرحام وإن كانوا مؤمنين، وإن كانوا كافرين فمن باب أولى.
ولكن ليس لك سفر القصر مع واحد منهم لأن الكافر ليس بمحرم للمسلمة في السفر، كما جاء في المغني: (وَكَذَلِكَ الْكَافِرُ لَيْسَ بِمَحْرَمٍ لِقَرَابَتِهِ الْمُسْلِمَةَ، قَالَ أَحْمَدُ فِي يَهُودِيٍّ أَوْ نَصْرَانِيٍّ أَسْلَمَتْ بِنْتُهُ: لا يُسَافِرْ بِهَا، لَيْسَ هُوَ مَحْرَمًا لَهَا، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ أَرَادَ لَيْسَ مَحْرَمًا لَهَا فِي السَّفَرِ، أَمَّا النَّظَرُ فَلا يَجِبُ عَلَيْهَا الْحِجَابُ مِنْهُ (لأَنَّ أَبَا سُفْيَانَ أَتَى الْمَدِينَةَ وَهُوَ مُشْرِكٌ، فَدَخَلَ عَلَى ابْنَتِهِ أُمِّ حَبِيبَةَ، فَطَوَتْ فِرَاشَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِئَلا يَجْلِسَ عَلَيْهِ، وَلَمْ تَحْتَجِبْ مِنْهُ، وَلا أَمَرَهَا بِذَلِكَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) اهـ.
أما بالنسبة لصلة الأرحام مع اختلاف الدين، فلا خلاف في أن صلة الابن أو البنت المسلمة لأبويهما الكافرين مطلوبة، فقد روى البخاري ومسلم عن السيدة أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما قالت: قَدِمَتْ عَلَيَّ أُمِّي وَهِيَ مُشْرِكَةٌ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَاسْتَفْتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قُلْتُ: إنَّ أُمِّي قَدِمَتْ وَهِيَ رَاغِبَةٌ، أَفَأَصِلُ أُمِّي؟ قَالَ: (نَعَمْ صِلِي أُمَّكِ).
أما لغير الأبوين فليست بواجبة على الرجل المسلم أو المرأة المسلمة، وذلك لقوله تعالى: {لاَ تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءهُمْ أَوْ أَبْنَاءهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُوْلَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الإِيمَانَ وَأَيَّدَهُم بِرُوحٍ مِّنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُوْلَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلاَ إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُون}. وهذا عند جمهور الفقهاء.
وبناء على ذلك:
فأهلك هم أرحامك ولو كانوا غير مسلمين، ويعتبرون من المحارم لك من حيث النظر دون السفر.
ويجب عليك صلة الأبوين ولو كانا كافرين، ولا يجب عليك صلة غيرهما، ولكن إن وصلتيهم طمعاً في إسلامهم فلك في ذلك أجر عظيم إن شاء الله تعالى، وهذا من أخلاق المسلمين الملتزمين إذا لم تتضرري بالصلة معهم. هذا، والله تعالى أعلم.
ارسل إلى صديق |