الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فيجب علينا أن نعلم بأن الله تبارك وتعالى خلقنا في هذه الدنيا للاختبار والابتلاء، وجعل بعضنا لبعضنا فتنة، أي اختباراً وامتحاناً، قال تعالى: {وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ}.
وكلُّنا يعلم بأن هناك من يظلم الآخرين ولولا ذلك لما قال تعالى في الحديث القدسي: (يَا عِبَادِي إِنِّي حَرَّمْتُ الظُّلْمَ عَلَى نَفْسِي وَجَعَلْتُهُ بَيْنَكُمْ مُحَرَّمًا فَلا تَظَالَمُوا) رواه مسلم عن أبي ذر رضي الله عنه.
فهناك من ظَلَمَ خيرة الخلق وهم الأنبياء والمرسلون، وهناك من أدخل السجن بعضَ الصفوة من البشر مثل سيدنا يوسف عليه السلام، فلِمَ يستغرب أحدُنا إن ظُلِم، وخاصة في هذا العصر؟
ولكن هل إن ظُلمنا نخرج عن دائرة الشريعة؟ ربُّنا عز وجل أمرنا بالصبر في مثل هذه الأحوال، قال تعالى: {وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلاَّ بِاللّهِ وَلاَ تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلاَ تَكُ فِي ضَيْقٍ مِّمَّا يَمْكُرُون * إِنَّ اللّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَواْ وَّالَّذِينَ هُم مُّحْسِنُون}. فالله تعالى مع المظلوم ولينصرنَّه الله تعالى ولو بعد حين، لذلك لا يجوز للمظلوم ولمن دخل السجن ظلماً وعدواناً أن يُلْقِيَ بنفسه إلى التَّهْلُكَة في ترك الطعام، وذلك لقوله تعالى: {وَلاَ تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ}.
وقد نصَّ الفقهاء على أن الأكل قد يكون فرضاً على المسلم، يثاب على فعله ويعاقب على تركه، وذلك إذا كان للغذاء بقدر ما يدفع عن نفسه الهلاك.
وبناء على ذلك:
فيحرم على من دخل السجن مظلوماً، أو دخل السجن بحقٍّ ولكنه ظُلم من قبل السجانين أن يمتنع عن الطعام حتى يصل إلى درجة الهلاك، لأن الإنسان مأمور بإحياء نفسه وعدم إلقائها إلى التهلكة.
وعليه بالصبر إن كان مظلوماً وليكثر من الدعاء والالتجاء إلى الله تعالى، فإن قلوب العباد بين إصبعين من أصابع الرحمن يقلِّبها كيف يشاء. هذا، والله تعالى أعلم.