الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فَالقِيَامُ في الصَّلَاةِ لِلْقَادِرِ عَلَيْهِ فَرْضٌ في صَلَاةِ الفَرِيضَةِ، وَذَلِكَ لِقَوْلِهِ تعالى: ﴿وَقُومُوا للهِ قَانِتِينَ﴾.
وَلِمَا رَوَى الإِمَامُ البُخَارِيُّ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: كَانَتْ بِي بَوَاسِيرُ، فَسَأَلْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ عَنِ الصَّلاَةِ، فَقَالَ: «صَلِّ قَائِمًا، فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَقَاعِدًا، فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَعَلَى جَنْبٍ».
وَقَدْ أَجْمَعَتِ الأُمَّةُ عَلَى ذَلِكَ، حَتَّى صَارَ هَذَا الأَمْرُ مَعْلُومًا مِنَ الدِّينِ بِالضَّرُورَةِ.
فَالقِيَامُ رُكْنٌ مِنْ أَرْكَانِ الصَّلَاةِ المَفْرُوضَةِ وَالوَاجِبَةِ كَصَلَاةِ الوِتْرِ وَالنَّذْرِ وَسُنَّةِ الفَجْرِ في أَصَحِّ الأَقْوَالِ.
أَمَّا القِيَامُ في صَلَاةِ النَّافِلَةِ فَسُنَّةٌ، وَقَدِ اتَّفَقَ الفُقَهَاءُ عَلَى جَوَازِ التَّنَفُّلِ قَاعِدًا لِعُذْرٍ وَلِغَيْرِ عُذْرٍ.
وَكَذَلِكَ اتَّفَقَ الفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ القِيَامَ يَسْقُطُ في صَلَاةِ الفَرِيضَةِ وَالوَاجِبَةِ وَالنَّافِلَةِ عَنِ العَاجِزِ عَنْهُ، بِسَبَبِ مَرَضٍ أَوْ غَيْرِهِ، كَمَا جَاءَ في حَدِيثِ عِمْرَانَ المُتَقَدِّمِ.
فَإِنْ قَدِرَ المَرِيضِ عَلَى بَعْضِ القِرَاءَةِ وَلَوْ آيَةً قَائِمًا لَزِمَهُ ذَلِكَ بِقَدَرِهَا.
فَإِذَا تَعَذَّرَ القِيَامُ في حَقِّ المَرِيضِ بِوُجُودِ أَلَمٍ شَدِيدٍ أَوْ خَوْفِ زِيَادَةِ المَرَضِ، أَوْ خَافَ تَأَخُّرَ الشِّفَاءِ، يُصَلِّي قَاعِدًا بِرُكُوعٍ وَسُجُودٍ ـ أَيْ يَجْلِسُ عَلَى الأَرْضِ لَا عَلَى كُرْسِيٍّ ـ لِأَنَّ الرُّكُوعَ وَالسُّجُودَ مِنْ أَرْكَانِ الصَّلَاةِ، فَطَالَمَا هُوَ قَادِرٌ عَلَى الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ يُصَلِّي قَاعِدًا عَلَى الأَرْضِ بِرُكُوعٍ وَسُجُودٍ.
وَبِنَاءً عَلَى ذَلِكَ:
يَسْقُطُ فَرْضُ القِيَامِ في صَلَاةِ الفَرِيضَةِ وَالوَاجِبَةِ عَنِ المَرِيضِ إِذَا تَعَسَّرَ عَلَيْهِ القِيَامُ بِوُجُودِ أَلَمٍ شَدِيدٍ، أَو خَوْفِ زِيَادَةِ المَرَضِ، أَوْ خَوْفِ تَأَخُّرِ الشِّفَاءِ. هذا، والله تعالى أعلم.