الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فَقَدْ أَخْرَجَ الإِمَامُ مُسْلِمٌ في صَحِيحِهِ عَنْ أَبِي أَيُّوبَ الأَنْصَارِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَنْ صَامَ رَمَضَانَ، ثُمَّ أَتْبَعَهُ سِتًّا مِنْ شَوَّالٍ، كَانَ كَصِيَامِ الدَّهْرِ».
وَقَدْ ذَهَبَ جُمْهُورُ الفُقَهَاءِ إلى أَنَّ صِيَامَ الأَيَّامِ السِّتَّةِ لَا تَكُونُ إِلَّا في شَوَّالٍ، لِأَنَّ ظَاهِرَ الحَدِيثِ يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ، وَفِيهِ تَحْرِيضٌ لِلْمُسْلِمِ عَلَى المُسَارَعَةِ في الخَيْرَاتِ ﴿وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى﴾.
وَقَالَ بَعْضُ الفُقَهَاءِ: لَا بَأْسَ في صِيَامِهَا في غَيْرِ شَهْرِ شَوَّالٍ، وَلَا سِيَّمَا في عَشْرِ ذِي الحِجَّةِ، كَمَا قَرَّرَ ذَلِكَ ابْنُ شَاسٍ في عَقْدِ الجَوَاهِرِ الثَّمِينَةِ حَيْثُ قَالَ: وَمَحْمَلُ تَعْيِينِ مَحَلِّهَا في شَوَّالٍ عَقِيبَ الصَّوْمِ عَلَى التَّخْفِيفِ في حَقِّ المُكَلَّفِ لِاعْتِيَادِهِ الصِّيَامَ، لَا لِتَخْصِيصِ حُكْمِهَا بِذَلِكَ الوَقْتِ، فَلَا جَرَمَ أَنَّ فِعْلَهَا في عَشْرِ ذِي الحِجَّةِ، مَعَ مَا رُوِيَ مِنْ فَضْلِ الصِّيَامِ فِيهِ، أَحْسَنُ لِحُصُولِ المَقْصُودِ، مَعَ حِيَازَةِ فَضْلِ الأَيَّامِ المَذْكُورَةِ.
وَبِنَاءً عَلَى ذَلِكَ:
فَلَا حَرَجَ في صِيَامِ سِتَّةِ أَيَّامٍ مِنْ شَوَّالٍ في غَيْرِهِ، وَخَاصَّةً في العَشْرِ الأُولَى مِنْ ذِي الحِجَّةِ، وَنَرْجُو اللهَ تعالى القَبُولَ، وَإِنْ كَانَ الأَوْلَى صِيَامُهَا في شَهْرِ شَوَّالٍ. هذا، والله تعالى أعلم.