الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
أولاً: فَقَدْ قَسَّمَ الفُقَهَاءُ الطَّلَاقَ إلى قِسْمَيْنِ:
الأَوَّلُ: طَلَاقٌ سُنِّيٌّ، وَهُوَ مَا وَافَقَ السُّنَّةَ في طَرِيقَةِ إِيقَاعِهِ، وَلَا يَعْنِي الطَّلَاقُ السُّنِّيُّ بِأَنَّ الطَّلَاقَ سُنَّةٌ، لِأَنَّهُ جَاءَ في الحَدِيثِ الشَّرِيفِ الذي رواه أبو داود عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «أَبْغَضُ الحَلالِ إِلَى اللهِ تَعَالَى الطَّلاقُ».
وَطَرِيقَةُ إِيقَاعِهِ: أَنْ يُوْقِعَ المٌطَلِّقُ عَلَى زَوْجَتِهِ طَلْقَةً وَاحِدَةٌ رَجْعِيَّةً في طُهْرٍ لَمْ يَطَأْهَا فِيهِ، وَلَا في حَيْضٍ أَو نِفَاسٍ.
الثَّانِي: طَلَاقٌ بِدْعِيٌّ: وَهُوَ طَلَاقٌ مَحْظُورٌ مُخَالِفٌ للشَّرِيعَةِ، يَقَعُ صَاحِبُهُ في الإِثْمِ، وَهُوَ عَلَى نَوْعَيْنِ:
1ـ طَلَاقٌ بِدْعِيٌّ بِاعْتِبَارِ الوَقْتِ، وَهُوَ الطَّلَاقُ الذي يُوقِعُهُ المُطَلِّقُ عَلَى زَوْجَتِهِ في زَمَنِ الحَيْضِ، أَو النِّفَاسِ، أَو في طُهْرٍ جَامَعَ زَوْجَتَهُ فِيهِ.
2ـ طَلَاقٌ بِدْعِيٌّ بِاعْتِبَارِ العَدَدِ، وَهُوَ الطَّلَاقُ الذي يُوقِعُهُ المُطَلِّقُ عَلَى زَوْجَتِهِ المَدْخُولِ بِهَا أَو غَيْرِ المَدْخُولِ بِهَا أَكْثَرَ مِنْ طَلْقَةٍ.
ثَانِيَاً: الطَّلَاقُ السُّنِّيُّ إِذَا صَدَرَ مِنَ المُطَلِّقُ يَقَعُ عَلَى الزَّوْجَةِ بِاتِّفَاقِ الفُقَهَاءِ.
أَمَّا الطَّلَاقُ البِدْعِيُّ إِذَا صَدَرَ مِنَ المُطَلِّقِ، فَقَدْ ذَهَبَ جُمْهُورُ الفُقَهَاءِ إلى وُقُوعِهِ، مَعَ وُجُودِ الإِثْمِ عَلَى المُطَلِّقِ، لِأَنَّهُ خَالَفَ السُّنَّةَ في إِيقَاعِ الطَّلَاقِ.
يَقُولُ ابْنُ قُدَامَةَ المَقْدِسِيُّ رَحِمَهُ اللهُ تعالى في المُغْنِي: (وَأَمَّا المَحْظُورُ، فَالطَّلاقُ فِي الحَيْضِ، أَوْ فِي طُهْرٍ جَامَعَهَا فِيهِ، أَجْمَعَ العُلَمَاءُ فِي جَمِيعِ الأَمْصَارِ وَكُلِّ الأَعْصَارِ عَلَى تَحْرِيمِهِ، وَيُسَمَّى طَلاقَ البِدْعَةِ؛ لأَنَّ المُطَلِّقَ خَالَفَ السُّنَّةَ، وَتَرَكَ أَمْرَ اللهِ تَعَالَى وَرَسُولِهِ، قَالَ اللهُ تَعَالَى: ﴿فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ﴾. وَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «إنْ شَاءَ طَلَّقَ قَبْلَ أَنْ يَمَسَّ، فَتِلْكَ العِدَّةُ الَّتِي أَمَرَ اللهُ أَنْ يُطَلَّقَ لَهَا النِّسَاءُ» رواه الشيخان.
وَبِنَاءً عَلَى ذَلِكَ:
فَإِذَا طَلَّقَ الرَّجُلُ زَوْجَتَهُ وَهِيَ حَائِضٌ، فَإِنَّ طَلَاقَهُ يَقَعُ عَلَيْهَا، وَهُوَ طَلَاقٌ بِدْعِيٌّ مُخَالِفٌ للسُّنَّةِ في إِيقَاعِ الطَّلَاقِ، وَذَلِكَ للحَدِيثِ الذي أَخْرَجَهُ الإمام البخاري عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا، أَنَّهُ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ وَهِيَ حَائِضٌ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، فَسَأَلَ عُمَرُ بْنُ الخَطَّابِ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ عَنْ ذَلِكَ.
فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «مُرْهُ فَلْيُرَاجِعْهَا، ثُمَّ لِيُمْسِكْهَا حَتَّى تَطْهُرَ، ثُمَّ تَحِيضَ، ثُمَّ تَطْهُرَ، ثُمَّ إِنْ شَاءَ أَمْسَكَ بَعْدُ وَإِنْ شَاءَ طَلَّقَ قَبْلَ أَنْ يَمَسَّ، فَتِلْكَ العِدَّةُ الَّتِي أَمَرَ اللهُ أَنْ تُطَلَّقَ لَهَا النِّسَاءُ».
وَهَذَا الحُكْمُ عِنْدَ جُمْهُورِ الفُقَهَاءِ مِنْ أَهْلِ العِلْمِ قَدِيمَاً وَحَدِيثَاً، وَهُوَ الذي أَرَاهُ صَوَابَاً لِقُوَّةِ أَدِلَّتِهِ وَلِكَثْرَةِ القَائِلِينَ بِهِ.
وَهُنَاكَ مَنْ أَفْتَى بِعَدَمِ وُقُوعِ الطَّلَاقِ على المَرْأَةِ الحَائِضِ خِلَافَاً لِرَأْيِ جُمْهُورِ الفُقَهَاءِ، وهَؤُلَاءِ قَالَ عَنْهُمْ ابْنُ المُنْذِرِ وَابْنُ عَبْدِ البَّرِّ: لَمْ يُخَالِفْ في ذَلِكَ إِلَّا أَهْلُ البِدَعِ وَالضَّلَالِ. هذا، والله تعالى أعلم.
ارسل إلى صديق |