الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
أولاً: أخرجَ الإمامُ مالك عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ رضيَ اللهُ عنه أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «أَيُّمَا رَجُلٍ بَاعَ مَتَاعًا فَأَفْلَسَ الَّذِي ابْتَاعَهُ مِنْهُ، وَلَمْ يَقْبِضْ الَّذِي بَاعَهُ مِنْ ثَمَنِهِ شَيْئًا، فَوَجَدَهُ بِعَيْنِهِ، فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ، وَإِنْ مَاتَ الَّذِي ابْتَاعَهُ فَصَاحِبُ الْمَتَاعِ فِيهِ أُسْوَةُ الْغُرَمَاءِ».
ثانياً: ذهبَ جمهورُ الفقهاءِ من الحنفيةِ والمالكيةِ والحنابلةِ إلى أنَّهُ ليسَ للبائِعِ الرجوعُ في عينِ مالِهِ وإن وُجِدَ، بل يكونُ أسوةَ الغُرماءِ.
وذهبَ الشافعيةُ إلى أنَّ المَيْتَ إذا تَرَكَ تَرِكَةً تُسَدِّدُ الدين كلَّهُ، فلا يجوزُ أن يَرجِعَ بالمبيعِ بل يأخذُ ثمنَهُ.
أما إذا كانت التَرِكَةُ لا تُسَدِّدُ الدَّينَ وَوَجَدَ البائعُ عينَ مالِهِ في التَّركةِ، فَلَهُ أن يَفسَخَ المبيعَ ويَرجِعَ في عينِ مالِهِ لما أخرَجَهُ ابن ماجه عَنْ ابْنِ خَلْدَةَ الزُّرَقِيِّ وَكَانَ قَاضِيًا بِالْمَدِينَةِ قَالَ: (جِئْنَا أَبَا هُرَيْرَةَ رضيَ اللهُ عنهُ فِي صَاحِبٍ لَنَا قَدْ أَفْلَسَ، فَقَالَ: هَذَا الَّذِي قَضَى فِيهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «أَيُّمَا رَجُلٍ مَاتَ أَوْ أَفْلَسَ فَصَاحِبُ الْمَتَاعِ أَحَقُّ بِمَتَاعِهِ إِذَا وَجَدَهُ بِعَيْنِهِ».
وبناءً على ذلك:
فما دامَ صديقُكَ ماتَ وتَرَكَ عليهِ ديوناً كثيرةً، وتركتُهُ لا تُسَدِّدُ ديونَهُ فليسَ لك أن تَستَرِدَّ سيَّارَتَكَ بل تُشارِكُ الغُرَماءَ بالثَّمَنِ، وهذا عندَ جمهورِ الفقهاءِ، خلافاً للشافعيَّةِ الذين جعلوا لكَ الحقَّ في استِردادِ عينِ المَبيعِ إذا كانت تركتُهُ لا تُسَدِّدُ ديونَهُ. هذا، والله تعالى أعلم.
ارسل إلى صديق |