الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فَيَقُول اللهُ تعالى: ﴿وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلاً﴾.
ويَقُولُ اللهُ تعالى في وَصْفِ المَلائِكَةِ: ﴿لَا يَعْصُونَ اللهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ﴾. ويَقُولُ: ﴿لَا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ﴾.
وبناء على ذلك:
فَلَو كَانَ إبلِيسُ من المَلائِكَةِ لَجَرَى عَلَيهِ ما يَجرِي على المَلائِكَةِ من عَدَمِ عِصْيَانِهِم للهِ تعالى، ولكن عِندَمَا كَانَ من الجِنِّ فَسَقَ عن أَمرِ رَبِّهِ، لأنَّ عَالَمَ الجِنِّ لَهُمُ اختِيَارٌ، على عَكسِ المَلائِكَةِ الكِرَامِ عَلَيهِمُ السَّلامُ.
وقَولُهُ تعالى: ﴿كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ﴾ أي: لِعِلَّةِ كَينُونَتِهِ من الجِنِّ فَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ، وهذا الوَصْفُ فَرَّقَ بَينَهُ وبَينَ المَلائِكَةِ، فَهُمُ امتَثَلُوا أَمرَ اللهِ تعالى، لأنَّهُم لا يَعصُونَ اللهَ ما أَمَرَهُم، وأمَّا هوَ فقد عَصَى.
فَإبلِيسُ لم يَكُنْ من المَلائِكَةِ، بل كَانَ مَعَهُم، وكَانَ مَشمُولاً بالأَمرِ من اللهِ تعالى بالسُّجُودِ لآدَمَ بِسَبَبِ المَعِيَّةِ، ولذلكَ عِندَمَا سَأَلَهُ رَبُّنَا عزَّ وجلَّ عن عَدَمِ سُجُودِهِ لآدَمَ، قَالَ: ﴿أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ﴾. ولم يَقُلْ لِرَبِّنَا عزَّ وجلَّ: أنا لَستُ مَشمُولاً بالأَمرِ لأنِّي لَستُ من المَلائِكَةِ. هذا، والله تعالى أعلم.
ارسل إلى صديق |
