الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فالمَطلُوبُ من الوَلَدِ أن يَكُونَ بَارَّاً بِوَالِدَيهِ وإنْ ظَلَمَاهُ، لما روى البَيهَقِيُّ عن ابنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهُمَا قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «مَن أَصبَحَ مُطِيعَاً في وَالِدَيهِ أَصبَحَ لَهُ بَابَانِ مَفتُوحَانِ من الجَنَّةِ، وإنْ كَانَ وَاحِدَاً فَوَاحِدَاً، ومن أَمسَى عَاصِيَاً للهِ في وَالِدَيهِ أَصبَحَ لَهُ بَابَانِ مَفتُوحَانِ من النَّارِ، وإنْ كَانَ وَاحِدَاً فَوَاحِدَاً».
قَالَ رَجُلٌ: وإنْ ظَلَمَاهُ؟
قال: «وإنْ ظَلَمَاهُ، وإنْ ظَلَمَاهُ، وإنْ ظَلَمَاهُ».
ولا يَصِحُّ للوَلَدِ أن يَكُونَ عَاقَّاً بِوَالِدَيهِ في حَالِ حَيَاتِهِمَا، ثمَّ يَقُولَ: إنْ مَاتَا أُكثِرُ لَهُمَا من الدُّعَاءِ، وبِهِ أُصبِحُ بَارَّاً بِهِمَا، لأنَّهُ لا يَضمَنُ أن يَبقَى حَيَّاً بَعدَ مَوتِهِمَا، كَمَا لا يَضمَنُ أن يَمُوتَ قَبلَهُمَا، وكَمَا لا يَضمَنُ أن يُنطِقَ اللهُ تعالى لِسَانَهُ بالدُّعَاءِ لَهُمَا. هذا أولاً.
ثانياً: روى البيهقي عن مُحَمَّدِ بنِ سِيرِينَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «إنَّ الرَّجُلَ لَيَمُوتُ وَالِدَاهُ وهوَ عَاقٌّ لَهُمَا، فَيَدعُو لَهُمَا من بَعدِ مَمَاتِهِمَا، فَيَكتُبُهُ اللهُ من البَارِّينَ».
وبناء على ذلك:
فالدُّعَاءُ للوَالِدَينِ مَطلُوبٌ شَرعَاً، وخَاصَّةً بَعدَ مَوتِهِمَا، وذلكَ لِقَولِهِ تعالى: ﴿وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيراً﴾.
ومن كَانَ عَاقَّاً لِوَالِدَيهِ، ثمَّ تَابَ إلى اللهِ تعالى بَعدَ مَوتِهِمَا، وصَدَقَ في تَوبَتِهِ، وأَكثَرَ لَهُمَا من الدُّعَاءِ، يُكتَبُ عِندَ اللهِ تعالى بَارَّاً بِهِمَا إنْ شَاءَ اللهُ تعالى. هذا، والله تعالى أعلم.
ارسل إلى صديق |