الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فَقَدْ أَخْرَجَ البيهقي والدَّارَقُطْنِيُّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللّٰهُ عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللّٰهِ صَلَّى اللّٰهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «لَا تَجُوزُ الْوَصِيَّةُ لِوَارِثٍ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ الْوَرَثَةُ».
وروى الترمذي عَنْ عَمْرِو بْنِ خَارِجَةَ رَضِيَ اللّٰهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللّٰهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِنَّ اللّٰهَ أَعْطَى كُلَّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ، وَلَا وَصِيَّةَ لِوَارِثٍ».
وَاخْتَلَفَ الفُقَهَاءُ في الوَصِيَّةِ لِوَارِثٍ عَلَى قَوْلَيْنِ:
الأَوَّلُ: وَهُوَ مَذْهَبُ الحَنَفِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَالحَنَابِلَةِ وَقَوْلٌ عِنْدَ المَالِكِيَّةِ، إلى أَنَّ الوَصِيَّةَ للوَارِثِ تَنْعَقِدُ صَحِيحَةً، وَلَكِنَّهَا تَكُونُ مَوْقُوفَةً عَلَى إِجَازَةِ الوَرثَةِ البَالِغِينَ، فَإِنْ أَجَازُوهَا بَعْدَ وَفَاةِ المُوصِي نُفِّذَتْ، وَإِنْ لَمْ يُجِيزُوهَا بَطَلَتْ، وَلَمْ يَكُنْ لَهَا أَثَرٌ.
وَإِنْ أَجَازَهَا بَعْضُ الوَرَثَةِ وَهُوَ عَاقِلٌ بَالِغٌ مُخَيَّرٌ نُفِّذَتْ في حَقِّ مَنْ أَجَازَهَا بِمِقْدَارِ حِصَّتِهِ فِيهَا، وَبَطَلَتْ في حَقِّ مَنْ لَمْ يُجِزْ، لِقَوْلِهِ صَلَّى اللّٰهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «لَا تَجُوزُ الْوَصِيَّةُ لِوَارِثٍ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ الْوَرَثَةُ».
الثَّانِي: مَذْهَبُ المَالِكِيَّةِ وَقَوْلٌ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ، الوَصِيَّةُ للوَارِثِ بَاطِلَةٌ مُطْلَقَاً، وَإِنْ أَجَازَهَا الوَرَثَةُ، إِلَّا أَنْ يُعْطُوهُ عَطِيَّةً مُبْتَدَأَةً، لِأَنَّ الوَصِيَّةَ للوَارِثِ تُلْحِقُ الضَّرَرَ بِبَقِيَّةِ الوَرَثَةِ، وَتُثِيرُ الحَفِيظَةَ في نُفُوسِهِمْ.
وبناء على ذلك:
فَالوَصِيَّةُ للبَنَاتِ تَنْعَقِدُ، وَلَكِنَّهَا مَوْقُوفَةٌ عَلَى إِجَازَةِ الوَرَثَةِ البَالِغِينَ، فَإِنْ أَجَازُوهَا نُفِّذَتْ مَهْمَا كَانَتْ قِيمَتُهَا، وَلَوْ كَانَتْ أَكْثَرَ مِنْ ثُلُثِ التَّرِكَةِ. هذا، واللّٰه تعالى أعلم.
ارسل إلى صديق |