الوصية الواجبة

8771 - الوصية الواجبة

24-03-2018 2732 مشاهدة
 السؤال :
هل صحيح بأنه يجب على الجد أن يوصي لأولاد ولده المتوفى قبله، وإذا لم يوصِ يكون آثماً؟
 الاجابة :
رقم الفتوى : 8771
 2018-03-24

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

أولاً: القَوْلُ بِوُجُوبِ الوَصِيَّةِ الوَاجِبَةِ عَلَى الجَدِّ لِأَوْلَادِ وَلَدِهِ، إِيجَابٌ بِدُونِ دَلِيلٍ، لِأَنَّ الوَصِيَّةَ كَمَا ذَهَبَ إِلَيْهِ جُمْهُورُ الفُقَهَاءِ لَيْسَتْ بِوَاجِبَةٍ عَلَى أَحَدٍ، وَلَمْ يُنْقَلْ عَنْ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَلَا عَنْ أَحَدٍ مِنَ أَصْحَابِهِ الكِرَامِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ بِوُجُوبِ الوَصِيَّةِ، لِأَنَّ الوَصِيَّةَ عَطِيَّةٌ وَهِبَةٌ لَا تَجِبُ في حَالِ الحَيَاةِ، فَكَيْفَ تَجِبُ بَعْدَ الوَفَاةِ؟

روى الشيخان في حَدِيثِ سَعْدٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِنَّكَ أَنْ تَذَرَ وَرَثَتَكَ أَغْنِيَاءَ، خَيْرٌ مِنْ أَنْ تَذَرَهُمْ عَالَةً يَتَكَفَّفُونَ النَّاسَ».

يَقُولُ الشَّعْبِيُّ: مَا مِنْ مَالٍ أَعْظَمَ أَجْرَاً مِنْ مَالٍ يَتْرُكُهُ الرَّجُلُ لِوَلَدِهِ يُغْنِيهِمْ عَنِ النَّاسِ.

ثانياً: ذَهَبَ جُمْهُورُ الفُقَهَاءِ، وَمِنْهُمُ أَئِمَّةُ المَذَاهِبِ الأَرْبَعَةِ، الشَّافِعِيَّةُ وَالحَنَفِيَّةُ وَالمَالِكِيَّةُ وَالحَنَابِلَةُ، إلى أَنَّ الوَصِيَّةَ للأَقَارِبِ، وَالذينَ مِنْهُمْ أَوْلَادُ المُتَوَفَّى قَبْلَ أَبِيهِ مُسْتَحَبَّةٌ وَلَيْسَتْ بِوَاجِبَةٍ.

ثالثاً: اسْتَحْدَثَ قَانُونُ الأَحْوَالِ الشَّخْصِيَّةِ نِظَامَ الوَصِيَّةِ الوَاجِبَةِ لِإِعْطَاءِ الحَفَدَةِ (أَوْلَادِ المَحْرُومِ) نَصِيبَاً مِنْ مَالِ جَدِّهِمْ، بِمِقْدَارِ حِصَّةِ وَلَدِهِ المُتَوَفَّى قَبْلَهُ، بِشَرْطِ أَنْ لَا يَزِيدَ عَلَى ثُلُثِ التَّرْكَةِ، سَوَاءٌ أَوْصَى الجَدُّ أَمْ لَمْ يُوصِ؛ وَهَذَا مَا لَمْ يَقُلْ بِهِ أَحَدٌ مِنْ جُمْهُورِ الفُقَهَاءِ عَلَى مَدَارِ قُرُونٍ طَوِيلَةٍ مِنَ الزَّمَنِ.

رابعاً: قَدْ يَسْتَنِدُ بَعْضُ النَّاسِ اليَوْمَ إلى القَوْلِ بِوُجُوبِ الوَصِيَّةِ لِأَوْلَادِ المَحْرُومِ عَلَى قَوْلِهِ تعالى: ﴿كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ المَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرَاً الوَصِيَّةُ لِلوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ بِالمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى المُتَّقِينَ﴾.

وَهَذِهِ الآيَةُ الكَرِيمَةُ مَنْسُوخَةٌ كَمَا ذَهَبَ إلى ذَلِكَ جُمْهُورُ الفُقَهَاءِ، وَمِنْهُمُ الأَئِمَّةُ الأَرْبَعَةُ رَحِمَهُمُ اللهُ تعالى، وَالنَّاسِخُ لَهَا آيَاتُ المَوَارِيثِ التي لَمْ تَذْكُرْ أَوْلَادَ المَحْرُومِ، وَيَقُولُ ابْنُ عَبْدِ البَرِّ رَحِمَهُ اللهُ تعالى: أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ الوَصِيَّةَ غَيْرُ وَاجِبَةٍ، إِلَّا طَائِفَةٌ شَذَّتْ فَأَوْجَبَتْهَا.

روى أبو داود عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا: ﴿إِنْ تَرَكَ خَيْرَاً الوَصِيَّةُ لِلوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ﴾. فَكَانَتِ الْوَصِيَّةُ كَذَلِكَ حَتَّى نَسَخَتْهَا آيَةُ المِيرَاثِ.

خامساً: هَذِهِ الوَصِيَّةُ لِأَوْلَادِ المَحْرُومِ صَارَتْ في حَقِيقَةِ الأَمْرِ مِيرَاثَاً مَفْرُوضَاً لَازِمَاً، لَا تَقْبَلُ عَدَمَ التَّنْفِيذِ، وَهَذَا عِنْدَ جُمْهُورِ الفُقَهَاءِ مَرْفُوضٌ وَبَاطِلٌ، لِأَنَّ اللهَ تعالى قَسَّمَ المَوَارِيثَ بِنَفْسِهِ، وَبَيَّنَهَا في القُرْآنِ العَظِيمِ، وَلَمْ يَجْعَلْهَا لِسَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ قَالَ بَعْدَ آيَاتِ المَوَارِيثِ: ﴿تِلْكَ حُدُودُ اللهِ وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ * وَمَنْ يَعْصِ اللهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارَاً خَالِدَاً فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ﴾.

سادساً: الذي قَالَ بِوُجُوبِ الوَصِيَّةِ لِأَوْلَادِ المَحْرُومِ اعْتِمَادَاً مِنْهُ عَلَى قَوْلِهِ تعالى: ﴿كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ المَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرَاً الوَصِيَّةُ لِلوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ بِالمَعْرُوفِ حَقَّاً عَلَى المُتَّقِينَ﴾. فَقَدْ خَالَفَ هَذِهِ الآيَةَ مِنْ ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ:

الوَجْهُ الأَوَّلُ: اللهُ جَلَّ جَلَالُهُ قَالَ: ﴿إِنْ تَرَكَ خَيْرَاً﴾. هَذَا تَقْيِيدٌ للأَمْرِ بِالوَصِيَّةِ، فَلَا يؤْمَرُ بِالوَصِيَّةِ إِلَّا مَنْ تَرَكَ خَيْرَاً، وَالخَيْرُ هُوَ المَالُ الكَثِيرُ الذي يَفْضُلُ مِنْهُ شَيْءٌ بَعْدَ إِغْنَاءِ الوَرَثَةِ، لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ عَلَّلَ المَنْعَ مِنَ الوَصِيَّةِ بِأَكْثَرَ مِنَ الثُّلُثِ بِقَوْلِهِ: «إِنَّكَ أَنْ تَذَرَ وَرَثَتَكَ أَغْنِيَاءَ، خَيْرٌ مِنْ أَنْ تَذَرَهُمْ عَالَةً يَتَكَفَّفُونَ النَّاسَ».

وَمَنْ قَالَ بِوُجُوبِ الوَصِيَّةِ لِأَوْلَادِ المَحْرُومِ لَمْ يَنْظُرْ إلى قَوْلِهِ تعالى: ﴿إِنْ تَرَكَ خَيْرَاً﴾. فَأَوْجَبَهَا سَوَاءٌ كَانَتِ التَّرْكَةُ مَالَاً كَثِيرَاً أَو قَلِيلَاً.

الوَجْهُ الثَّاني: اللهُ جَلَّ جَلَالُهُ قَالَ: ﴿الوَصِيَّةُ لِلوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ﴾. وَهَذَا عَامٌّ في جَمِيعِ الأَقْرَبِينَ، فَيَشْمَلُ الأَحْفَادَ، وَالإِخْوَةَ وَأَوْلَادَهُمْ، وَالأَعْمَامَ وَأَوْلَادَهُمْ، وَالأَخْوَالَ وَأَوْلَادَهُمْ، وَغَيْرَهُمْ مِنَ الأَقَارِبِ، فَعَلَى أَيِّ أَسَاسٍ خُصِّصَ الأَحْفَادُ دُونَ غَيْرِهِمْ؟ أَيْنَ المُخَصِّصُ لَهُمْ؟

الوَجْهُ الثَّالِثُ: اللهُ جَلَّ جَلَالُهُ قَالَ: ﴿الوَصِيَّةُ لِلوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ بِالمَعْرُوفِ﴾. لَمْ يُحَدِّدْ رَبُّنَا عَزَّ وَجَلَّ مِقْدَارَ الوَصِيَّةِ، لَا بِالثُّلُثِ وَلَا بِغَيْرِهِ، وَلَمْ يُبَيِّنْ نَصِيبَ الوَالِدَيْنِ وَلَا الأَقْرَبِينَ، فَمَنْ قَيَّدَهَا بِشَرْطِ أَنْ لَا تَزِيدَ عَلَى الثُّلُثِ؟ وَمَا هُوَ دَلِيلُهُ عَلَى التَّخْصِيصِ بِالثُّلُثِ؟

وبناء على ذلك:

فَلَا يَجِبُ عَلَى الجَدِّ أَنْ يُوصِي لِأَوْلَادِ وَلَدِهِ المُتَوَفَّى قَبْلَهُ، وَلَكِنَّهُ يُسْتَحَبُّ لَهُ هَذَا، بِشَرْطِ أَنْ يَدَعَ وَرَثَتَهُ أَغْنِيَاءَ، وَأَنْ لَا تَتَجَاوَزَ الوَصِيَّةُ ثُلُثَ التَّرِكَةِ.

وَالقَوْلُ بِوُجُوبِ هَذِهِ الوَصِيَّةِ غَيْرُ صَحِيحٍ، وَعَمَلُ القَانُونِ بِهِ لَا يَجْعَلُهُ حَلَالَاً، لِأَنَّهُ جَعَلَهُ مِيرَاثَاً، فَهُوَ يُعْطِي الأَحْفَادَ سَوَاءٌ أَوْصَى الجَدُّ أَو لَمْ يُوصِ، وَيَأْخُذُونَ مِنَ المَالِ سَوَاءٌ كَانَ كَثِيرَاً أَمْ قَلِيلَاً، وَسَوَاءٌ كَانُوا فُقَرَاءَ أَمْ أَغْنِيَاءَ، وَلَمْ يَنْظُرِ القَانُونُ إلى مِقْدَارِ المَالِ، وَلَمْ يَنْظُرْ إلى فَقْرِ الوَارِثِينَ أَو غِنَاهُمْ.

وَمَنْ أَخَذَ مِنْ مَالِ جَدِّهِ بِغَيْرِ رِضَا الوَارِثِينَ أَخَذَهُ بِطَرِيقٍ غَيْرِ مَـشْرُوعٍ، وَلَا يَحِلُّ لَهُ، لِقَوْلِهِ تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالبَاطِلِ﴾. هذا، والله تعالى أعلم.

 

 

 

المجيب : الشيخ أحمد شريف النعسان
2732 مشاهدة
 
 
 

مواضيع اخرى ضمن  أحكام الوصية وتصرفات المريض

 السؤال :
 2022-08-12
 105
مَاتَ وَالِدِي رَحِمَهُ اللهُ تعالى، وَكَانَ قَدْ كَتَبَ وَصِيَّةً بِدُونِ تَوْقِيعٍ مِنْهُ، وَبِدُونِ شُهُودٍ، وَبِدُونِ عِلْمِ المُوصَى لَهُ، فَهَلْ تُنَفَّذُ وَصِيَّتُهُ؟ وَكَيْفَ تَثْبُتُ الوَصِيَّةُ حَتَّى يُنَفِّذَهَا الوَرَثَةُ؟
 السؤال :
 2019-09-30
 689
تُوُفِّيَ زَوْجُ أُخْتِي بَعْدَ أَنْ أَوْصَى لَهَا بِمَبْلَغٍ مِنَ المَالِ، وَجَعَلَ ابْنَهُ وَعَامِلَاً عِنْدَهُ شَاهِدَيْنِ بِأَنَّ زَوْجَتَهُ لَهَا دَيْنٌ عَلَيْهِ، وَالحَقِيقَةُ لَا دَيْنَ لَهَا عَلَيْهِ، فَهَلْ يَحِلُّ لَهَا أَنْ تَأْخُذَ هَذَا المَالَ؟
 السؤال :
 2018-10-26
 1378
رجل مقيم في بلد (ما) أوصى أن ينقل بعد موته إلى مكان آخر، فهل هذه وصية شرعية يجب تنفيذها؟
 السؤال :
 2018-08-29
 14186
مات قريب لي، وعليه ديون كثيرة، وأوصى أبناءه بسداد الدين عنه من تركته، ولم يسدد أولاده الدين عنه، فهل يكون الميت آثماً؟
 السؤال :
 2017-05-27
 463
هل يجوز للمرأة أن توصي بذهبها لبناتها دون أبنائها؟ وهل تنفذ هذه الوصية؟
 السؤال :
 2016-01-06
 8300
سؤال: قريب لي مصاب بمرض السرطان، وحالته الصحية تتدهور، ويطلب نصيحة وهو في تلك الحالة، فما هي النصيحة التي تُقَدَّمُ له؟

الفهرس الموضوعي

البحث في الفتاوى

الفتاوى 5613
المقالات 3154
المكتبة الصوتية 4763
الكتب والمؤلفات 20
الزوار 412043570
جميع الحقوق محفوظة لموقع الشيخ أحمد النعسان © 2024 
برمجة وتطوير :