الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فَالأَصْلُ في اللِّبَاسِ الحِلُّ مَهْمَا كَانَتِ المَادَّةُ التي صُنِعَ مِنْهَا، إِلَّا مَا وَرَدَ نَصٌّ بِتَحْرِيمِهِ، كَالحَرِيرِ للذُّكُورِ، وَجُلُودِ المَيْتَةِ وَمَا لَا يُذَكَّى، فَإِذَا دُبِغَتْ طَهُرَتْ ـ إِلَّا الخِنْزِيرُـ وَحَلَّ لُبْسُهَا، وَلَو في الصَّلَاةِ، لِقَوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «أَيُّمَا إِهَابٍ دُبِغَ فَقَدْ طَهُرَ (الإِهَابُ: هُوَ الجِلْدُ قَبْلَ الدِّبَاغِ، وَعُمُومُهُ يَشْمَلُ جِلْدَ مَأْكُولِ اللَّحْمِ وَغَيْرِهِ)» رواه الترمذي عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا.
وبناء على ذلك:
فَقَدْ ذَهَبَ جُمْهُورُ الفُقَهَاءِ مِنَ الحَنَفِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَالمَالِكِيَّةِ إلى جَوَازِ الانْتِفَاعِ بِجُلُودِ السِّبَاعِ بِشَرْطِ الدِّبَاغِ.
وَخَالَفَ في ذَلِكَ بَعْضُ فُقَهَاءِ الحَنَابِلَةِ، لِمَا رَوَاهُ النَّسَائِيُّ عَنْ خَالِدٍ قَالَ: وَفَدَ الْمِقْدَامُ بْنُ مَعْدِ يكَرِبَ عَلَى مُعَاوِيَةَ فَقَالَ لَهُ: أَنْشُدُكَ بِاللهِ، هَلْ تَعْلَمُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ لُبُوسِ جُلُودِ السِّبَاعِ، وَالرُّكُوبِ عَلَيْهَا؟
قَالَ: نَعَمْ.
وَلِمَا رَوَاهُ أبو داود (بَابٌ فِي جُلُودِ النُّمُورِ وَالسِّبَاعِ) عَنْ مُعَاوِيَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «لَا تَرْكَبُوا الْخَزَّ، وَلَا النِّمَارَ (أَيْ: النُّمُورَ)».
(الخَزُّ: ثِيَابٌ تُنْسَجُ مِنْ صُوفٍ وَإِبْرَيْسَمٍ ـ وَهُوَ نَوْعٌ مِنَ الحَرِيرِـ وَالنَّهْيُ عَنْهَا لِأَجْلِ التَّشَبُّهِ بِالعَجَمِ، وَإِنْ أُرِيدَ بِالخَزِّ النَّوْعُ الآخَرَ وَهُوَ المَعْرُوفُ الآنَ فَهُوَ حَرَامٌ، لِأَنَّ جَمِيعَهُ مَعْمُولٌ مِنَ الإِبْرَيْسَمِ/ النهاية).
فَالانْتِفَاعُ مِنْ جُلُودِ السِّبَاعِ مُخْتَلَفُ فِيهِ بَيْنَ الفُقَهَاءِ، فَمَنْ قَالَ بِجَوَازِ الانْتِفَاعِ مِنْهَا صَحَّتْ صَلَاتُهُ إِذَا صَلَّى فِيهَا، وَمَنْ قَالَ بِعَدَمِ الجَوَازِ لَا تَصِحُّ صَلَاتُهُ فِيهَا. هذا، والله تعالى أعلم.
ارسل إلى صديق |