الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فَقَدْ روى ابن ماجه عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لَا يَزْدَادُ الْأَمْرُ إِلَّا شِدَّةً، وَلَا الدُّنْيَا إِلَّا إِدْبَارَاً، وَلَا النَّاسُ إِلَّا شُحَّاً، وَلَا تَقُومُ السَّاعَةُ إِلَّا عَلَى شِرَارِ النَّاسِ، وَلَا المَهْدِيُّ إِلَّا عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ».
وَالحَدِيثُ ضَعَّفَهُ البَيْهَقِيُّ وَالحَاكِمُ، وَقَالَ الذَّهَبِيُّ في مِيزَانِ الاعْتِدَالِ: هُوَ خَبَرٌ مُنْكَرٌ.
وَقَالَ القَارِي في مِرْقَاةِ المَفَاتِيحِ: ضَعِيفٌ بِاتِّفَاقِ المُحَدِّثِينَ.
وَهَذَا الحَدِيثُ الضَّعِيفُ، لَا يَقْوَى أَمَامَ الأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ الدَّالَّةِ عَلَى وُجُودِ المَهْدِيِّ عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَأَنَّهُ سَيَكُونُ في آخِرِ الزَّمَانِ، وَهُوَ عَلَامَةٌ مِنْ عَلَامَاتِ قِيَامِ السَّاعَةِ، وَشَرْطٌ مِنْ أَشْرَاطِهَا.
روى الحاكم عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «يَخْرُجُ فِي آخِرِ أُمَّتِي المَهْدِيُّ، يَسْقِيهِ اللهُ الْغَيْثَ، وَتُخْرِجُ الْأَرْضُ نَبَاتَهَا، وَيُعْطِي المَالَ صِحَاحَاً، وَتَكْثُرُ المَاشِيَةُ، وَتَعْظُمُ الْأُمَّةُ، يَعِيشُ سَبْعَاً أَوْ ثَمَانِيَاً» (يَعْنِي حِجَجَاً) وَهُوَ حَدِيثٌ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ؛ وَقَالَ الذَّهَبِيُّ: صَحِيحُ الْإِسْنَادِ، وَلَمْ يُخْرِجَاهُ.
وروى أبو داود عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «المَهْدِيُّ مِنِّي، أَجْلَى الْجَبْهَةِ، أَقْنَى الْأَنْفِ، يَمْلَأُ الْأَرْضَ قِسْطَاً وَعَدْلَاً، كَمَا مُلِئَتْ جَوْرَاً وَظُلْمَاً، يَمْلِكُ سَبْعَ سِنِينَ» وَهُوَ حَدِيثٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الإمام مسلم.
وَهُنَاكَ غَيْرُ ذَلِكَ مِنَ الأَحَادِيثِ الـشَّرِيفَةِ، وَقَالَ عُلَمَاءُ الحَدِيثِ: لَقَدْ تَوَاتَرَتِ الأَحَادِيثُ بِظُهُورِ المَهْدِيِّ تَوَاتُرَاً مَعْنَوِيَّاً.
وَبِنَاءً عَلَى ذَلِكَ:
فَحَدِيثُ: «وَلَا المَهْدِيُّ إِلَّا عِيسَى». حَدِيثٌ ضَعِيفٌ بِاتِّفَاقِ المُحَدِّثِينَ، وَيَقُولُ الإِمَامُ القُرْطُبِيُّ في التَّذْكِرَةِ: إِسْنَادُهُ ضَعِيفٌ، وَالأَحَادِيثُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ في التَّنْصِيصِ عَلَى خُرُوجِ المَهْدِيِّ مِنْ عِتْرَتِهِ، مِنْ وَلَدِ فَاطِمَةَ ثَابِتَةٌ، أَصَحُّ مِنْ هَذَا الحَدِيثِ، فَالحُكْمُ بِهَا دُونَهُ.
وَعَلَى كُلِّ حَالٍ يُمْكِنُ حَمْلُ هَذَا الحَدِيثِ عَلَى أَنَّهُ لَا مَهْدِيَّ كَامِلٌ، أَو مَعْصُومٌ إِلَّا عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ، وَلَا شَكَّ بِأَنَّ سَيِّدَنَا عِيسَى عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ أَفْضَلُ مِنْ سَيِّدِنَا المَهْدِيِّ عَلَيْهِ السَّلَامُ، لِأَنَّ سَيِّدَنَا عِيسَى عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ رَسُولٌ مِنْ أُولِي العَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ. هذا، والله تعالى أعلم.
ارسل إلى صديق |