الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فَيَقُولُ الإِمَامُ القُرْطُبِيُّ رَحِمَهُ اللهُ تعالى عِنْدَ هَذِهِ الآيَةِ: قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ النَّحَّاسُ: مِنْ أَحْسَنِ مَا قِيلَ فِيهَا أَنَّ المَعْنَى: مَنْ كَانَ يَظُنُّ أَنْ لَنْ يَنْصُرَ اللهُ مُحَمَّدَاً صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ وَأَنَّهُ يَتَهَيَّأُ لَهُ أَنْ يَقْطَعَ النَّصْرَ الذي أُوتِيَهُ ﴿فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ إِلَى السَّمَاءِ﴾. أَيْ: فَلْيَطْلُبْ حِيلَةً يَصِلُ بِهَا إلى السَّمَاءِ ﴿ثُمَّ لْيَقْطَعْ﴾. أَيْ: ثُمَّ لْيَقْطَعِ النَّصْرَ إِنْ تَهَيَّأَ لَهُ ﴿فَلْيَنْظُرْ هَلْ يُذْهِبَنَّ كَيْدُهُ مَا يَغِيظُ﴾. وَحِيلَتُهُ مَا يَغِيظُهُ مِنْ نَصْرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ.
وَالفَائِدَةُ في الكَلَامِ أَنَّهُ إِذَا لَمْ يَتَهَيَّأْ لَهُ الكَيْدُ وَالحِيلَةُ بِأَنْ يَفْعَلَ مِثْلَ هَذَا لَمْ يَصِلْ إلى قَطْعِ النَّصْرِ.
وَكَذَا قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: إِنَّ الكِنَايَةَ في ﴿ يَنْصُرَهُ اللهُ﴾ تَرْجِعُ إلى مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَهُوَ وَإِنْ لَمْ يَجْرِ ذِكْرُهُ فَجَمِيعُ الكَلَامِ دَالٌّ عَلَيْهِ، لِأَنَّ الإِيمَانَ هُوَ الإِيمَانُ بِاللِه وَبِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَالانْقِلَابُ عَنِ الدِّينِ انْقِلَابٌ عَنِ الدِّينِ الذي أَتَى بِهِ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، أَيْ مَنْ كَانَ يَظُنُّ مِمَّنْ يُعَادِي مُحَمَّدَاً صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ وَمَنْ يَعْبُدُ اللهَ عَلَى حَرْفٍ أَنَّا لَا نَنْصُرُ مُحَمَّدَاً فَلْيَفْعَلْ كَذَا وَكَذَا.
وَبِنَاءً عَلَى ذَلِكَ:
فَمَنْ كَانَ يَمُرُّ بِخَاطِرِهِ مُجَرَّدَ مُرُورٍ أَنَّ اللهَ تعالى لَنْ يَنْصُرَ سَيِّدَنَا مُحَمَّدَاً صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، فَعَلَيْهِ أَنْ يَنْتَهِيَ عَنْ ذَلِكَ، لِأَنَّهُ مِنَ المُسْتَحِيلِ أَنْ لَا يَـنْصُرَهُ اللهُ تعالى، فَإِنْ ظَنَّ فَليَفْعَلْ مَا قَالَ اللهُ تعالى لَهُ. هذا، والله تعالى أعلم.
ارسل إلى صديق |