الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فَعَذَابُ العَبْدِ الكَافِرِ دَائِمٌ، وَآلَامُهُ مُسْتَمِرَّةٌ، وَالعِيَاذُ بِاللهِ تعالى، قَالَ تعالى: ﴿سَوْفَ نُصْلِيهِمْ نَارًا﴾ تَهْدِيدٌ لَهُمْ، وَ﴿سَوْفَ﴾ تَأْكِيدٌ للعَذَابِ المُقْبِلِ، وَلَو بِتَرَاخٍ، وَتَرَاخِي العَذَابِ مَعَ تَأْكِيدِهِ يَجْعَلُ النَّفْسَ في فَزَعٍ وَقَلَقٍ حَتَّى يَقَعَ؛ وَإِذَا وَقَعَ وَالعِيَاذُ بِاللهِ تعالى يَجِدُهُ مسْتَمِرًّا وَمُتَجَدِّدًا، قَالَ تعالى: ﴿كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا لِيَذُوقُوا الْعَذَابَ﴾. أَيْ: إِنَّ الجُلُودَ تَتَبَدَّلُ، وَتَنْشَأُ جُلُودٌ أُخْرَى مِنْ نَفْسِ مَادَّتِهَا تُوصِلُ العَذَابَ للنَّفْسِ الوَاعِيَةِ.
فَقَوْلُهُ تعالى: ﴿كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ﴾ أَيْ: صَارَتْ مُحْتَرِقَةً احْتِرَاقًا تَامًّا، وَتَعَطَّلَتْ عَنِ الإِحْسَاسِ بِالأَلَمِ، يَأْتِيهِمُ اللهُ تعالى بِجِلْدٍ آخَرَ لِيُدِيمَ عَلَيْهِمُ العَذَابَ، لِأَنَّهُ هَوَ الذي سَيُوصِلُ العَذَابَ لِلنَّفْسِ الوَاعِيَةِ فَتَتَأَلَّمُ.
فَعِلَّةُ التَّبْدِيلِ للجُلُودِ التي احْتَرَقَتْ بِجُلُودٍ جَدِيدَةٍ، دَوَامُ العَذَابِ؛ وَيَخْتِمُ اللهُ تعالى الآيَةَ بِقَوْلِهِ: ﴿إِنَّ اللهَ كَانَ عَزِيزًا حَكِيمًا﴾. العَزِيزُ هُوَ الذي لَا يُغْلَبُ، وَلَا يَسْتَطِيعُ أَحَدٌ أَنْ يَرُدَّ قَضَاءَهُ سُبْحَانَهُ وَتعالى.
يَا حَسرَةً عَلَى عَبْدٍ تَلَذَّذَ بِالمَعْصِيَةِ دَقَائِقَ أَو سَاعَاتٍ، ثُمَّ يَكُونُ مَصِيرُهُ هَكَذَا. هذا، والله تعالى أعلم.
ارسل إلى صديق |