الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فَاللهُ تَبَارَكَ وتعالى فَتَحَ بَابَ التَّوْبَةِ أَمَامَ العِبَادِ جَمِيعًا، حَتَّى قَالَ الفُقَهَاءُ: يَجِبُ عَلَى المُحْتَضَرِ وَمَنْ في حُكْمِهِ أَنْ يَتُوبَ إلى اللهِ تعالى مِنْ ذُنُوبِهِ قَبْلَ وُصُولِ الرُّوحِ إلى الحُلْقُومِ، لِأَنَّ قُرْبَ المَوْتِ لَا يَمْنَعُ مِنْ قَبُولِ التَّوْبَةِ، لِقَوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ اللهَ يَقْبَلُ تَوْبَةَ العَبْدِ مَا لَمْ يُغَرْغِرْ» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا.
وَلِقَوْلِهِ تَبَارَكَ وتعالى: ﴿وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ﴾.
وَأَمَّا إِذَا انْقَطَعَ الأَمَلُ مِنَ الحَيَاةِ فَلَا تُقْبَلُ تَوْبَتُهُ، لِقَوْلِهِ تعالى: ﴿وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الْآنَ﴾.
وَأَمَّا قَوْلُهُ تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ ثُمَّ ازْدَادُوا كُفْرًا لَنْ تُقْبَلَ تَوْبَتُهُمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الضَّالُّونَ * إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَمَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْ أَحَدِهِمْ مِلْءُ الْأَرْضِ ذَهَبًا وَلَوِ افْتَدَى بِهِ أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ﴾. فَهُمُ الذينَ أَخَّرُوا تَوْبَتَهُمْ حَتَّى عَايَنُوا المَوْتَ وَيَئِسُوا مِنَ الحَيَاةِ، كَمَا قَالَ تعالى: ﴿وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الْآنَ﴾. وَكَمَا ذَكَرَ تعالى عَنْ حَالَةِ فِرْعَوْنَ عِنْدَمَا أَدْرَكَهُ الغَرَقُ، قَالَ تعالى: ﴿حَتَّى إِذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قَالَ آمَنْتُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ * آلْآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ * فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ عَنْ آيَاتِنَا لَغَافِلُونَ﴾.
وَبِنَاءً عَلَى ذَلِكَ:
فَتَوْبَةُ العَبْدِ تُقْبَلُ عِنْدَ اللهِ تعالى مَا لَمْ تَقَعْ رُوحُهُ في الغَرْغَرَةِ، حَتَّى وَلَوِ ارْتَدَّ عَنْ دِينِ اللهِ تعالى أَكْثَرَ مِنْ مَرَّةٍ ثُمَّ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا، كَمَا قَالَ تعالى: ﴿إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللهُ غَفُورًا رَحِيمًا * وَمَنْ تَابَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللهِ مَتَابًا﴾.
أَسْأَلُ اللهَ تعالى أَنْ لَا يَحْرِمَنَا التَّوْبَةَ الصَّادِقَةَ النَّصُوحَ. آمين.