الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فَقَوْلُهُ تعالى: ﴿وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ﴾ جَمَعَ الصَّلَوَاتِ الخَمْسَ، لِأَنَّ صَلَاةَ الفَجْرِ تُؤَدَّى في أَحَدِ طَرَفَيِ النَّهَارِ، وَصَلَاةَ الظُّهْرِ وَالعَصْرِ تُؤَدَّيَانِ في الطَّرَفِ الآخَرِ.
إِذِ النَّهَارُ قِسْمَانِ غَدَاةٌ وَعَشِيٌّ، وَالغَدَاةُ اسْمٌ لِأَوَّلِ النَّهَارِ إِلَى وَقْتِ الزَّوَالِ، وَمَا بَعْدَهُ العَشِيُّ، فَدَخَلَ في طَرَفَيِ النَّهَارِ ثَلَاثُ صَلَوَاتٍ، وَدَخَلَ في قَوْلِهِ تعالى: ﴿وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ﴾ المَغْرِبُ وَالعِشَاءُ، لِأَنَّهُمَا تُؤَدَّيَانِ في زُلَفٍ مِنَ اللَّيْلِ وَهِيَ سَاعَاتُهُ.
وَأَمَّا قَوْلُهُ تعالى: ﴿أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا﴾. فَدُلُوكُ الشَّمْسِ زَوَالُهَا، فَفِي هَذَا الوَقْتِ تَدْخُلُ صَلَاةُ الظُّهْرِ وَالعَصْرِ، وَغَسَقُ اللَّيْلِ أَوَّلُ ظُلْمَتِهِ، وَقَوْلُهُ تعالى: ﴿وَقُرْآنَ الْفَجْرِ﴾ هُوَ صَلَاةُ الفَجْرِ، فَثَبَتَتْ فَرْضِيَّةُ ثَلَاثِ صَلَوَاتٍ في هَذِهِ الآيَةِ، وَفَرْضِيَّةُ صَلَاةِ المَغْرِبِ وَالعِشَاءِ ثَبَتَتْ بِدَلِيلٍ آخَرَ.
وَقِيلَ: دُلُوكُ الشَّمْسِ غُرُوبُهَا، فَيَدْخُلُ فِيهَا صَلَاةُ المَغْرِبِ وَالعِشَاءِ، وَفَرْضِيَّةُ الظُّهْرِ وَالعَصْرِ ثَبَتَتْ بِدَلِيلٍ آخَرَ.
وَبِنَاءً عَلَى ذَلِكَ:
فَالآيَةُ الأُولَى وَالثَّانِيَةُ ثَبَتَ فِيهَا فَرْضِيَّةُ الصَّلَوَاتِ الخَمْسِ، وَأَكَّدَ ذَلِكَ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ بِقَوْلِهِ في عَامِ حَجَّةِ الوَدَاعِ: «اتَّقُوا اللهَ رَبَّكُمْ، وَصَلُّوا خَمْسَكُمْ، وَصُومُوا شَهْرَكُمْ، وَأَدُّوا زَكَاةَ أَمْوَالِكُمْ، وَأَطِيعُوا ذَا أَمْرِكُمْ تَدْخُلُوا جَنَّةَ رَبِّكُمْ» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.
وَانْعَقَدَ إِجْمَاعُ الأُمَّةِ عَلَى فَرْضِيَّةِ الصَّلَوَاتِ الخَمْسِ، وَتَكْفِيرِ مُنْكِرِهَا. هذا، والله تعالى أعلم.
ارسل إلى صديق |