الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
أولاً: يُشْتَرَطُ في الأُجْرَةِ مَا يُشْتَرَطُ في الثَّمَنِ، بِمَعْنَى يَجِبُ أَنْ تَكُونَ أُجْرَةُ الأَجِيرِ مَعْلُومَةً، كَمَا يَجِبُ أَنْ يَكُونَ ثَمَنُ المَبِيعِ مَعْلُومَاً، لِذَا يَجِبُ العِلْمُ بِالأَجْرِ، لِقَوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «وَمَنِ اسْتَأْجَرَ أَجِيرَاً فَلْيُعْلِمْهُ أَجْرَهُ» رواه البيهقي عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.
ثانياً: ذَهَبَ جُمْهُورُ الفُقَهَاءِ مِنَ الحَنَفِيَّةِ وَالمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ إلى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ الأُجْرَةُ بَعْضَ المَعْمُولِ، أَو بَعْضَ النَّتَائِجِ مِنَ العَمَلِ المُتَعَاقَدِ عَلَيْهِ، لِمَا فِيهِ مِنَ الغَرَرِ، لِأَنَّهُ إِذَا هَلَكَ مَا يَجْرِي فِيهِ العَمَلُ ضَاعَ عَلَى الأَجِيرُ أَجْرُهُ، وَقَدْ نَهَى النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ عَنْ قَفِيزِ الطَّحَّانِ؛ وَمَعْنَى قَفِيزِ الطَّحَّانِ: هُوَ أَنْ يَسْتَأْجِرَ إِنْسَانٌ رَجُلَاً لِيَطحَنَ لَهُ حِنطَةً مَعْلُومَةً بِقَفِيزٍ مِنْهَا.
وَالقَفِيزُ: هُوَ مِكْيَالٌ يَتَّفِقُ النَّاسُ عَلَيْهِ، وَيَخْتَلِفُ مِنْ بَلَدٍ إلى بَلَدٍ.
وَخَالَفَ في ذَلِكَ الحَنَابِلَةُ، وَقَالُوا: إِذَا كَانَتِ الأُجْرَةُ جُزْءَاً شَائِعَاً مِمَّا عَمِلَ فِيهِ الأَجِيرُ فَلَا حَرَجَ في ذَلِكَ، كَأَنْ يَأْخُذَ الأَجِيرُ سُدُسَ الزَّرْعِ أَو النَّخْلِ أَو الزَّيْتُونِ.
وَبِنَاءً عَلَى ذَلِكَ:
فَالرَّجُلُ الذي اسْتَأْجَرَ أَجِيرَاً لِقَطْفِ ثِمَارِ زَرْعِهِ عَلَى أَنْ يُعْطِيَهُ نِسْبَةً مِنَ المَحْصُولِ، فَعِنْدَ جُمْهُورِ الفُقَهَاءِ هَذَا لَا يَجُوزُ، وَيَجِبُ أَنْ يُعْلِمَهُ مِقْدَارَ الأُجْرَةِ؛ وَيَجُوزُ عِنْدَ الحَنَابِلَةِ.
أَمَّا بِالنِّسْبَةِ لِزَكَاةِ المَحْصُولِ، فَإِنَّهَا تَجِبُ عَلَى صَاحِبِ الثَّمَرَةِ، الـعُشْرُ أَو نِصْفُ العُشْرِ مِنْ كُلِّ الخَارِجِ، فَلَا يَطْرَحُ مِنْهُ البَذْرَ الذي بَذَرَهُ، وَلَا أُجْرَةَ العُمَّالِ، وَلَا تَجِبُ الزَّكَاةُ عَلَى الأَجِيرِ، فَالزَّكَاةُ عَلَى المُسْتَأْجِرِ. هذا، والله تعالى أعلم.
ارسل إلى صديق |