الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فَقَدْ جَاءَ في صَحِيحِ الإمام البخاري عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «قَرَصَتْ نَمْلَةٌ نَبِيَّاً مِنَ الأَنْبِيَاءِ، فَأَمَرَ بِقَرْيَةِ النَّمْلِ، فَأُحْرِقَتْ، فَأَوْحَى اللهُ إِلَيْهِ: أَنْ قَرَصَتْكَ نَمْلَةٌ أَحْرَقْتَ أُمَّةً مِنَ الأُمَمِ تُسَبِّحُ».
وَهَذَا الحَدِيثُ الشَّرِيفُ يُفِيدُ جَوَازَ حَرْقِ الحَيَوَانِ المُؤْذِي، وَهَذَا كَانَ شَرْعَ مَنْ قَبْلَنَا، وَأَمَّا في شَرْعِنَا فَقَدْ نُهِينَا عَنْ ذَلِكَ، لِمَا روى الإمام أحمد عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِنَّهُ لَا يَنْبَغِي أَنْ يُعَذِّبَ بِالنَّارِ إِلَّا رَبُّ النَّارِ».
وروى الإمام أحمد وأبو داود عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: إِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ قَتْلِ أَرْبَعٍ مِنَ الدَّوَابِّ: النَّمْلَةُ، وَالنَّحْلَةُ، وَالْهُدْهُدُ، وَالصُّرَدُ.
وَالصُّرَدُ: طَائِرٌ فَوْقَ العُصْفُورِ، نِصْفُهُ أَبْيَضُ وَنِصْفُهُ أَسْوَدُ، لَا يُؤْكَلُ وَلَا مَنْفَعَةَ مِنْ قَتْلِهِ.
وَفي الحَدِيثِ عُوتِبَ النَّبِيُّ الذي أَحْرَقَ قَرْيَةَ النَّمْلِ بِسَبَبِ نَمْلَةٍ قَرَصَتْهُ، وَهَذَا مِنْ بَابِ: حَسَنَاتُ الأَبْرَارِ سَيِّئَاتُ المُقَرَّبِينَ، لِأَنَّهُ كَانَ الأَوْلَى أَنْ يَفْعَلَ ذَلِكَ.
وَبِنَاءً عَلَى ذَلِكَ:
فَالإِحْرَاقُ للحَيَوَانِ المُؤْذِي كَانَ جَائِزَاً في شَرْعِ مَنْ قَبْلَنَا، وَلَكِنْ عُوتِبَ النَّبِيُّ لِأَنَّهُ أَتَى بِخِلَافِ الأَولَى، وَحَسَنَاتُ الأَبْرَارِ سَيِّئَاتُ المُقَرَّبِينَ.
أَمَّا في شَرْعِنَا فَلَا يَجُوزُ التَّعْذِيبُ بِالنَّارِ، وَنُهِينَا عَنْ قَتْلِ النَّمْلِ وَالنَّحْلِ. هذا، والله تعالى أعلم.
ارسل إلى صديق |