ضرب الولد تأديباً

9902 - ضرب الولد تأديباً

24-08-2019 415 مشاهدة
 السؤال :
مَا حُكْمُ ضَرْبِ الوَلَدِ تَأْدِيبَاً لَهُ، مِنْ أَجْلِ مُتَابَعَةِ الدِّرَاسَةِ، وَالالْتِزَامِ بِالأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ؟
 الاجابة :
رقم الفتوى : 9902
 2019-08-24

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

أولاً: إِنَّ تَرْبِيَةَ الأَبْنَاءِ مَسْؤُولِيَّةُ الأَبَوَيْنِ، لِقَوْلِهِ تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارَاً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ﴾.

وَلِقَوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «وَإِنَّ لِوَلَدِكَ عَلَيْكَ حَقَّاً» رواه الإمام مسلم عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا.

وَلِقَوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «كُلُّكُمْ رَاعٍ، وَكُلُّكُمْ مَسْؤُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، ـ وَعَدَّ مِنْهُمْ ـ وَالرَّجُلُ رَاعٍ فِي أَهْلِهِ وَهُوَ مَسْؤُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ فِي بَيْتِ زَوْجِهَا وَمَسْؤُولَةٌ عَنْ رَعِيَّتِهَا» رواه الإمام البخاري عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا.

وَذَكَرَ الفُقَهَاءُ أَنَّ تَأْدِيبَ الوَلَدِ وَاجِبٌ عَلَى الأَبَوَيْنِ، لِأَنَّ الوَلَدَ أَمَانَةٌ عِنْدَ وَالِدَيْهِ، فَقَلْبُهُ طَاهِرٌ، وَنَفْسُهُ سَاذِجَةٌ خَالِيَةٌ عَنْ كُلِّ نَقْشٍ وَصُورَةٍ، وَهُوَ قَابِلٌ لِكُلِّ مَا يُعْطَى، فَإِنْ عُوِّدَ الخَيْرَ وَعُلِّمَهُ نَشَأَ عَلَيْهِ وَسَعِدَ في الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، وَيُشَارِكُهُ في ثَوَابِهِ أَبَوَاهُ، وَإِنْ عُوِّدَ الـشَّرَّ شَقِيَ الوَلَدُ وَهَلَكَ، وَكَانَ الوِزْرُ في رَقَبَةِ وَالِدَيْهِ.

روى الترمذي عَنْ أَيُّوبَ بْنِ مُوسَى، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَا نَحَلَ وَالِدٌ وَلَدَاً مِنْ نَحْلٍ أَفْضَلَ مِنْ أَدَبٍ حَسَنٍ».

وَيَقُولُ ابْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا: أَدِّبِ ابْنَكَ، فَإِنَّكَ مَسْؤُولٌ عَنْ وَلَدِكَ، مَاذَا أَدَّبْتَهُ؟ وَمَاذَا عَلَّمْتَهُ، وَإِنَّهُ مَسْؤُولٌ عَنْ بِرِّكَ وَطَوَاعِيَتِهِ لَكَ. رواه البيهقي.

ثانياً: تَأْدِيبُ الوَلَدِ يَبْدَأُ بِالقَوْلِ وَالنُّصْحِ، ثُمَّ بِالوَعِيدِ، ثُمَّ بِالتَّعْنِيفِ، ثُمَّ بِالضَّرْبِ غَيْرِ المُبَرِّحِ، إِذَا غَلَبَ عَلَى الظَّنِّ تَحْقِيقُهُ للمَصْلَحَةِ المَرْجُوَّةِ مِنْهُ.

وَذَكَرَ الفُقَهَاءُ أَنَّ الوَلَدَ إِذَا كَانَ لَا يُصْلِحُهُ إِلَّا الـضَّرْبُ المُبَرِّحُ، فَلَا يَجُوزُ ضَرْبُهُ، لِأَنَّهُ مَفْسَدَةٌ، كَمَا أَنَّهُ لَا يَجُوزُ ضَرْبُهُ ضَرْبَاً غَيْرَ مُبَرِّحٍ إِذَا عَلِمَ أَنَّ الضَّرْبَ لَا يُصْلِحُهُ.

وَلْيَذْكُرِ الآبَاءُ وَالأُمَّهَاتُ حَدِيثَ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في مَسْأَلَةِ الضَّرْبِ: «لَيْسَ أُولَائِكَ بِخِيَارِكُمْ» رواه الحاكم عَنْ إِيَاسِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي ذُبَابٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.

وَقَدْ قَيَّدَ الفُقَهَاءُ جَوَازَ ضَرْبِ الأَوْلَادِ ضَرْبَاً غَيْرَ مُبَرِّحٍ، بِأنْ يَكُونَ الضَّرْبُ بِاليَدِ فَقَطْ، وَأَنْ لَا يَضْرِبَ الوَجْهَ.

ثالثاً: يَجِبُ عَلَى الأَبَوَيْنِ أَنْ يَذْكُرَا قَوْلَ اللهِ تعالى: ﴿وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعَاً أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ﴾. وَقَوْلَهُ تعالى: ﴿وَلَوْ كُنْتَ فَظَّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ﴾.

فَالإِكْرَاهُ عَلَى الفِعْلِ لَا يَأْتِي بِالنَّتَائِجِ المَرْجُوَّةِ، وَالضَّرْبُ كَذَلِكَ، بَلْ قَدْ يُؤَدِّي إلى النُّفُورِ وَكَرَاهِيَةِ الدِّينِ لَا قَدَّرَ اللهُ تعالى.

وَبِنَاءً عَلَى ذَلِكَ:

فَلَا حَرَجَ مِنْ ضَرْبِ الوَلَدِ تَأْدِيبَاً بِشَرْطِ أَنْ لَا يَكُونَ مُبَرِّحَاً، وَأَنْ يَرْجُوَ فِيهِ صَلَاحَاً، وَأَمَّا الضَّرْبُ المُبَرِّحِ فَلَا يَجُوزُ بِحَالٍ مِنَ الأَحْوَالِ، لِأَنَّهُ مُنَفِّرٌ عَنْ دِينِ اللهِ تعالى، وَسَبَبٌ لِزِيَادَةِ العُقُوقِ وَالعِصْيَانِ.

وَالسَّعِيدُ المُوَفَّقُ مَنْ رُزِقَ الحِكْمَةَ في تَعَامُلِهِ مَعَ أَوْلَادِهِ، السَّعِيدُ المُوَفَّقُ مَنْ مَلَكَ قَلْبَ وَلَدِهِ أَوَّلَاً، ثُمَّ قَدَّمَ لَهُ النُّصْحَ ثَانِيَاً، لِأَنَّ النُّفُوسَ مَجْبُولَةٌ عَلَى حُبِّ مَنْ يُحْسِنُ إِلَيْهَا.

السَّعِيدُ المُوَفَّقُ الذي يَسُوقُ أَبْنَاءَهُ لِدِينِ اللهِ تعالى بِالحِكْمَةِ وَعَدَمِ الفَظَاظَةِ. هذا، والله تعالى أعلم.

415 مشاهدة
الملف المرفق
 
 
 

مواضيع اخرى ضمن  مسائل متفرقة في الحظر والإباحة

 السؤال :
 2023-12-29
 526
زَوْجَتِي صَاحِبَةُ دِينٍ وَخُلُقٍ، إِلَّا أَنَّهَا عِنْدَمَا تَتَحَدَّثُ مَعَ زُمَلَائِهَا في العَمَلِ تُمَازِحُهُمْ، وَتَضْحَكُ إِلَيْهِمْ، وَقَدْ قَدَّمْتُ لَهَا النُّصْحَ، وَلَكِنْ بِدُونِ جَدْوَى، فَمَاذَا أَفْعَلُ؟
 السؤال :
 2023-12-29
 380
بِسَبَبِ الظُّرُوفِ القَاهِرَةِ في بَلَدِنَا، اضْطُرِرْنَا للسَّفَرِ خَارِجَ القُطْرِ مَعَ زَوْجِي وَأَخِيهِ وَزَوْجَتِهِ، فَمَا الحُكْمُ الشَّرْعِيُّ في السَّكَنِ سَوِيَّةً في مَنْزِلٍ وَاحِدٍ؟
 السؤال :
 2023-12-29
 185
أَنَا أَهْوَى الرَّسْمَ، وَأَعْلَمُ أَنَّ رَسْمَ ذِي رُوحٍ لَا يَجُوزُ، وَلَكِنْ هَلْ يَجُوزُ أَنْ أَرْسُمَ صُورَةَ إِنْسَانٍ مِنْ خَلْفِهِ؟
 السؤال :
 2023-12-29
 90
مَا حُكْمُ الشَّرْعِ في إِقَامَةِ المَرْأَةِ المُسْلِمَةِ في البِلَادِ الغَرْبِيَّةِ؟
 السؤال :
 2023-03-25
 544
مَا الحُكْمُ الشَّرْعِيُّ في تَعْلِيقِ الخَرَزَةِ الزَّرْقَاءِ، المَرْسُومِ عَلَيْهَا عَيْنٌ، مِنْ أَجْلِ الوِقَايَةِ مِنْ عَيْنِ الحَاسِدِ؟
 السؤال :
 2023-03-10
 796
مَا الحُكْمُ الشَّرْعِيُّ بِتَبَرُّعِ الأَعْضَاءِ بِدُونِ مُقَابِلٍ؟

الفهرس الموضوعي

البحث في الفتاوى

الفتاوى 5613
المقالات 3152
المكتبة الصوتية 4740
الكتب والمؤلفات 20
الزوار 411766415
جميع الحقوق محفوظة لموقع الشيخ أحمد النعسان © 2024 
برمجة وتطوير :