الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فَيَقُولُ اللهُ تَبَارَكَ وتعالى: ﴿أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ مَتَاعَاً لَكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ﴾. يَقُولُ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا: صَيْدُ البَحْرِ مَا أُخِذَ حَيَّاً، وَطَعَامُهُ مَا وُجِدَ مَيْتَاً.
إِلَّا أَنَّ بَعْضَ الفُقَهَاءِ اسْتَثْنَى التِّمْسَاحَ، وَقَالَ: إِنَّهُ مِنَ الحَيَوَانَاتِ، فَإِذَا كَانَ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ كُلِّ ذِي نَابٍ مِنَ السِّبَاعِ مِنْ وُحُوشِ البَرِّ، كَمَا جَاءَ في الحَدِيثِ الشَّرِيفِ الذي رواه الإمام مسلم عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: نَهَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ عَنْ كُلِّ ذِي نَابٍ مِنَ السِّبَاعِ، وَعَنْ كُلِّ ذِي مِخْلَبٍ مِنَ الطَّيْرِ. فَإِنَّ هَذَا أَيْضَاً مُحَرَّمٌ.
وَرَدَّ الفُقَهَاءُ الآخَرُونَ بِقَوْلِهِمْ: هَذَا النَّهْيُ في سِبَاعِ البَرِّ، أَمَّا سِبَاعُ البَحْرِ فَلَهَا حُكْمٌ آخَرُ، وَذَلِكَ لِقَوْلِهِ تعالى: ﴿أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ مَتَاعَاً لَكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ﴾.
وَلِمَا روى الترمذي عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: سَأَلَ رَجُلٌ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّا نَرْكَبُ البَحْرَ، وَنَحْمِلُ مَعَنَا القَلِيلَ مِنَ المَاءِ، فَإِنْ تَوَضَّأْنَا بِهِ عَطِشْنَا، أَفَنَتَوَضَّأُ مِنَ الْبَحْرِ؟
فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «هُوَ الطَّهُورُ مَاؤُهُ، الحِلُّ مَيْتَتُهُ».
وَبِنَاءً عَلَى ذَلِكَ:
فَإِنَّ سَمَكَ القِرْشِ يَجُوزُ أَكْلُهُ، مَعَ أَنَّ لَهُ نَابَاً يَفْتَرِسُ بِهِ، لِأَنَّ مَا يَحْرُمُ في البَرِّ لَا يُشْتَرَطُ أَنْ يَحْرُمَ نَظِيرُهُ في البَحْرِ، فَالبَحْرُ شَيْءٌ مُسْتَقِلٌّ وَلَهُ أَحْكَامُهُ الخَاصَّةُ، مِنْ جُمْلَتِهَا قَوْلُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «هُوَ الطَّهُورُ مَاؤُهُ، الحِلُّ مَيْتَتُهُ». هذا، والله تعالى أعلم.
ارسل إلى صديق |