الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فَالسُّؤَالُ يَتَوَجَّهُ لَكِ قَبْلَ الجَوَابِ عَنْ سُؤَالِكِ:
مَا هِيَ أَسْبَابُ الكَرَاهِيَةِ التي حَلَّتْ في قَلْبِكِ نَحْوَ زَوْجِكِ، هَلْ لِكَوْنِهِ تَزَوَّجَ عَلَيْكِ، أَمْ لِسُوءِ تَعَامُلِهِ مَعَكِ بَعْدَ الزَّوَاجِ بِثَانِيَةٍ؟
إِذَا كَانَتْ كَرَاهِيَتُكِ لِزَوْجِكِ بِسَبَبِ زَوَاجِهِ بِثَانِيَةٍ فَهَذِهِ مُشْكِلَةٌ كَبِيرَةٌ، لِأَنَّكِ تَعْتَرِضِينَ عَلَى نَصٍّ مِنْ نُصُوصِ القُرْآنِ، أَلَمْ يَقُلْ مَوْلَانَا عَزَّ وَجَلَّ: ﴿فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلَّا تَعُولُوا﴾. فَقَدْ أَبَاحَ الله عَزَّ وَجَلَّ للرَّجُلِ أَنْ يَجْمَعَ أَرْبَعَ نِسْوَةٍ إِنِ اسْتَطَاعَ أَنْ يَعْدِلَ بَيْنَهُنَّ بِالنَّفَقَةِ وَالكِسْوَةِ وَالمَبِيتِ، وَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَيَحْرُمُ عَلَيْهِ التَّعَدُّدُ، لِأَنَّهُ سَيَقَعُ في الظُّلْمِ، وَالظُّلْمُ ظُلُمَاتٌ يَوْمَ القِيَامَةِ.
وَاحْذَرِي مِنَ الاعْتِرَاضِ عَلَى قَوْلِهِ تعالى: ﴿وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَـضَى اللهُ وَرَسُولُهُ أَمْرَاً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالَاً مُبِينَاً﴾.
وَاعْلَمِي أَنَّ التَّعَدُّدَ إِنَّمَا هُوَ لِصَالِحِ النِّسَاءِ، قَبْلَ أَنْ يَكُونَ لِصَالِحِ الرِّجَالِ، وَهَذِهِ حَقِيقَةٌ لَا تُنْكَرُ، وَإِذَا وَطَّنَتِ المَرْأَةُ نَفْسَهَا عَلَى ذَلِكَ فَإِنَّهَا تَقْبَلُ تَـشْرِيعَ التَّعَدُّدِ، وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ هُوَ قَبُولُ الزَّوْجَةِ الثَّانِيَةِ بِالزَّوَاجِ مَعَ وُجُودِ الزَّوْجَةِ الأُولَى.
وَكُونِي عَلَى يَقِينٍ بِأَنَّ الخِلَافَاتِ الزَّوْجِيَّةَ كَثِيرَةٌ وَكَثِيرَةٌ جِدَّاً، وَلَو لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ تَعَدُّدٌ، وَنِسْبَةُ الطَّلَاقِ بِسَبَبِ الخِلَافَاتِ الزَّوْجِيَّةِ لِأَسْبَابٍ غَيْرِ التَّعَدُّدِ نِسْبَةٌ مُخِيفَةٌ جِدَّاً، وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللهِ العَلِيِّ العَظِيمِ، وَالسِّرُّ في ذَلِكَ هُوَ الإِعْرَاضُ عَنِ الأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ ﴿وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكَاً﴾.
أَمَّا إِذَا كَانَتْ كَرَاهِيَتُكِ لِزَوْجِكِ بِسَبَبِ مَيْلِهِ للثَّانِيَةِ، وَجَوْرِهِ عَلَيْكِ، فَهُوَ ظَالِمٌ وَآثِمٌ، وَيَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَلْتَزِمَ العَدْلَ الذي أَوْجَبَهُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَيْهِ، فَاللهُ تعالى الذي أَبَاحَ لَهُ التَّعَدُّدَ حَرَّمَ عَلَيْهِ الجَوْرَ وَالظُّلْمَ، فَلَيْسَ مِنَ المَعْقُولِ أَنْ يَأْتِيَ الأَمْرَ المُبَاحَ، لِيَقَعَ في الحَرَامِ، وَهَذَا لَيْسَ مِنْ شَأْنِ المُؤْمِنِ بِاللهِ وَاليَوْمِ الآخِرِ، لِأَنَّ العَبْدَ الذي لَا يَسْتَطِيعُ العَدْلَ يَحْرُمُ عَلَيْهِ الزَّوَاجُ بِثَانِيَةٍ، لِأَنَّ اللهَ تعالى يَقُولُ: ﴿إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ﴾. وَيَقُولُ في الحَدِيثِ القُدْسِيِّ: «يَا عِبَادِي، إِنِّي حَرَّمْتُ الظُّلْمَ عَلَى نَفْسِي، وَجَعَلْتُهُ بَيْنَكُمْ مُحَرَّمَاً، فَلَا تَظَالَمُوا» رواه الإمام مسلم عَنْ أَبِي ذَرٍّ رَضِيَ اللهُ عَنهُ.
وبناء على ذلك:
فَإذَا كَانَتِ الكَرَاهِيَةُ لِزَوْجِكِ لِأَنَّهُ تَزَوَّجَ، فَأَكْثِرِي مِنَ التَّوْبَةِ وَالاسْتِغْفَارِ، وَالدُّعَاءِ للهِ عَزَّ وَجَلَّ في أَنْ يُذْهِبَ مِنْ قَلْبِكِ الغَيْرَةَ، وَعَلَيْكِ بِالرِّضَا عَنِ اللهِ تعالى فِيمَا قَضَى وَقَدَّرَ.
وَأَمَّا إِذَا كَانَتِ الكَرَاهِيَةُ بِسَبَبِ جَوْرِهِ وَظُلْمِهِ وَعَدَمِ العَدْلِ، فَعَلَيْكِ بِالصَّبْرِ وَالمُصَابَرَةِ، وَزِيَادَةِ حُسْنِ الخُلُقِ، وَالاهْتِمَامِ بِنَفْسِكِ نَحْوَهُ، وَحَاوِلِي أَنْ تَبْحَثِي عَنْ رَجُلٍ لِيُقَدِّمَ لَهُ النُّصْحَ في وُجُوبِ العَدْلِ بَيْنَ الزَّوْجَاتِ وَعَدَمِ الجَوْرِ، مَعَ كَثْرَةِ الدُّعَاءِ في أَنْ يُوَفِّقَنَا اللهُ تعالى للالْتِزَامِ بِـشَرْعِ اللهِ تعالى ظَاهِرَاً وَبَاطِنَاً. هذا، والله تعالى أعلم.