الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فَقَوْلُ الرَّجُلِ عَنْ أَوْلَادِهِ: هَؤُلَاءِ لَيْسُوا بِأَوْلَادِي، وَهُمْ أَوْلَادُهُ حَقًّا، وَقَصَدَ بِذَلِكَ التَّبَرُؤَ مِنْهُمْ وَنَفْيَهُمْ مُنْكَرٌ عَظِيمٌ، وَذَنْبٌ خَطِيرٌ، وَكَبِيرَةٌ مِنَ الكَبَائِرِ.
وَهَذَا نَوْعٌ مِنْ أَنْوَاعِ القَذْفِ الذي يُوجِبُ الحَدَّ عَلَيْهِ إِذَا لَمْ يَأْتِ بِأَرْبَعَةِ شُهُودٍ أَنَّ أُمَّهُمُ انْحَرَفَتْ بِهِمْ، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُلَاعِنَهَا بَعْدَ سُكُوتِهِ وَرِضَاهُ بِلُحُوقِهِمْ بِنَسَبِهِ. هَذَا أولًا.
ثانيًا: مَنْ نَفَى الوَلَدَ دُونَ بَيِّنَةٍ، وَقَعَ تَحْتَ الوَعِيدِ الشَّدِيدِ، روى الحاكم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: لَمَّا نَزَلَتْ آيَةُ الْمُلَاعَنَةِ، قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «أَيُّمَا امْرَأَةٍ دَخَّلَتْ عَلَى قَوْمٍ مَنْ لَيْسَ مِنْهُمْ، فَلَيْسَتْ مِنَ اللهِ فِي شَيْءٍ، وَلَنْ يُدْخِلَهَا اللهُ جَنَّتَهُ، وَأَيُّمَا رَجُلٍ جَحَدَ وَلَدَهُ، وَهُوَ يَنْظُرُ إِلَيْهِ، احْتَجَبَ اللهُ مِنْهُ، وَفَضَحَهُ عَلَى رُؤُوسِ الْخَلَائِقِ، مِنَ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ».
وَمَعْنَى قَوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «وَهُوَ يَنْظُرُ إِلَيْهِ» يَعْنِي أَنَّ الوَالِدَ يَنْظُرُ إلى الوَلَدِ، وَهُوَ كِنَايَةٌ عَنِ العِلْمِ بِأَنَّهُ وَلَدُهُ، أَوْ أَنَّ الوَلَدَ يَنْظُرُ إلى أَبِيهِ.
وَفي ذَلِكَ إِشْعَارٌ إلى قِلَّةِ شَفَقَةِ الرَّجُلِ وَرَحْمَتِهِ بِوَلَدِهِ، وَإلى قَسْوَةِ قَلْبِهِ وَغِلْظَتِهِ.
وَمَصِيرُ هَذَا الرَّجُلِ أَنَّ اللهَ يَحْتَجِبُ عَنْهُ، وَيُبْعِدُهُ مِنْ رَحْمَتِهِ، وَيَفْضَحُهُ عَلَى رُؤُوسِ الأَشْهَادِ يَوْمَ القِيَامَةِ، يَعْنِي يُفْضَحُ عَلَى رُؤُوسِ الأَوَّلِينَ وَالآخِرِينَ.
وَبِنَاءً عَلَى ذَلِكَ:
فَإِنْ قَصَدَ الرَّجُلُ نَفْيَ أَوْلَادِهِ عَنْهُ، فَقَدِ ارْتَكَبَ كَبِيرَةً مِنَ الكَبَائِرِ، وَارْتَكَبَ إِثْمًا عَظِيمًا، وَيَجِبُ عَلَيْهِ تَكْذِيبُ نَفْسِهِ، وَإِلَّا أُقِيمَ عَلَيْهِ الحَدُّ إِذَا لَمْ يَأْتِ بِأَرْبَعَةِ شُهُودٍ، وَعَرَّضَ نَفْسَهُ لِسَخَطِ اللهِ تعالى. هذا، والله تعالى أعلم.