معنى قوله تعالى: {وَوَجَدَكَ ضَالاًّ فَهَدَى}

1222 - معنى قوله تعالى: {وَوَجَدَكَ ضَالاًّ فَهَدَى}

07-07-2008 3092 مشاهدة
 السؤال :
يقول ربنا عز وجل في سورة الضحى: {ووجدك ضالاً فهدى} ويقول سبحانه وتعالى في موضع آخر: {ما ضل صاحبكم وما غوى} كيف نوفق بين القولين؟
 الاجابة :
رقم الفتوى : 1222
 2008-07-07

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فَالضَّلَالُ في اللُّغَةِ لَهُ مَعَانٍ مُتَعَدِّدَةٌ، مِنْهَا الغَفْلَةُ عَنْ طَرِيقِ الحَقِّ مَعَ البَحْثِ عَنْهُ، وَمِنْهَا الْتِزَامُ البَاطِلِ وَتَرْكُ الحَقِّ بَعْدَ ظُهُورِهِ.

فَقَوْلُهُ تعالى: ﴿وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدَى﴾. لَا يُمْكِنُ حَمْلُ الضَّلَالِ هُنَا عَلَى مَا يُقَابِلُ الهُدَى، لِأَنَّ الأَنْبِيَاءَ عَلَيْهِمُ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ مَعْصُومُونَ مِنْ ذَلِكَ، فَكَيْفَ بِسَيِّدِهِمْ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ؟ وَهَذَا بِاتِّفَاقِ العُلَمَاءِ، وَلِأَنَّهُ مَا وَرَدَ بِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ ضَلَّ في العَقِيدَةِ، أَو سَجَدَ لِصَنَمٍ، أَو عَبَدَ غَيْرَ اللهِ تعالى طَرْفَةَ عَيْنٍ، مَعَاذَ اللهِ تعالى.

لَقَدْ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ عَلَى العَكْسِ مِنْ ذَلِكَ تَمَامًا، كَانَ يَعْبُدُ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ اللَّيَالِيَ ذَوَاتِ العَدَدِ في غَارِ حِرَاءَ، حَتَّى اشْتُهِرَ في قَوْمِهِ بِذَلِكَ، وَقَالَتْ قُرَيْشٌ: إِنَّ مُحَمَّدًا قَدْ عَشِقَ رَبَّهُ. ذكره الإمام الغزالي ½ في الإحياء.

وَهَذَا مَا أَكَّدَهُ مَوْلَانَا عَزَّ وَجَلَّ في سُورَةِ النَّجْمِ حَيْثُ قَالَ: ﴿مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى﴾. وَيَقُولُ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا: لَمْ تَكُنْ لَهُ ضَلَالَةُ مَعْصِيَةٍ.

فَقَوْلُهُ تعالى: ﴿وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدَى﴾ نَظِيرُ قَوْلِ اللهِ تعالى حِكَايَةً عَنْ أَوْلَادِ سَيِّدِنَا يَعْقُوبَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ الذينَ قَالُوا لِوَالِدِهِمْ: ﴿قَالُوا تَاللهِ إِنَّكَ لَفِي ضَلَالِكَ الْقَدِيمِ﴾ أَيْ: في كَثْرَةِ حُبِّكَ وَانْشِغَالِكَ بِهِ، وَكَثْرَةِ سُؤَالِكَ وَالبَحْثِ المُتَلَاحِقِ عَنْهُ.

فَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ عَظِيمَ الحُبِّ للهِ تعالى، مُنْشَغِلَ الفُؤَادِ بِاللهِ تعالى، فَهَدَاهُ اللهُ تعالى إلى الرِّسَالَةِ وَأَحْكَامِ الشَّرِيعَةِ، وَعَرَّفَهُ المَنْهَجَ الذي يُرِيدُهُ اللهُ تعالى مِنْهُ وَمِنْ أُمَّتِهِ. وَهَذَا وَجْهٌ مِنْ وُجُوهِ التَّفْسِيرِ.

وَوَجْهٌ آخَرُ: أَيْ وَجَدَكَ غَيْرَ عَالِمٍ بِالنُّبُوَّةِ وَعُلُومِهَا، وَالكِتَابِ المُبِينِ وَمَا حَوَاهُ، فَهَدَاكَ لِذَلِكَ، قَالَ تعالى: ﴿وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللهُ عَلَيْكَ عَظِيماً﴾. وَيَشْهَدُ لِهَذَا المَعْنَى قَوْلُهُ تعالى: ﴿وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾. وَقَوْلُهُ تعالى: ﴿الر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ المُبِينِ * إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ * نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَذَا الْقُرْآنَ وَإِنْ كُنْتَ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الْغَافِلِينَ﴾.

وَأَمَّا قَوْلُهُ تعالى: ﴿وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى * مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى﴾. فَهُوَ تَأْكِيدٌ عَلَى نَفْيِ الضَّلَالِ الذي يُقَابِلُ الهُدَى، حَيْثُ كَانَتْ قُرَيْشٌ تَتَّهِمُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ بِالضَّلَالِ عَنْ طَرِيقِ قَوْمِهِ الذينَ أَشْرَكُوا مَعَ اللهِ تعالى، فَأَقْسَمَ لَهُمْ رَبُّنَا عَزَّ وَجَلَّ بِأَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ مَا ضَلَّ عَنْ طَرِيقِ الهِدَايَةِ وَالحَقِّ، وَمَا صَارَ غَاوِيًا مُتَكَلِّمًا بِالبَاطِلِ. هذا، والله تعالى أعلم.

المجيب : الشيخ أحمد شريف النعسان
3092 مشاهدة
 
 
 

مواضيع اخرى ضمن  التفسير وعلوم القرآن

 السؤال :
 2024-08-01
 285
مَا تَفْسِيرُ الآيَتَيْنِ الكَرِيمَتَيْنِ: ﴿أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ﴾ ﴿وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ﴾؟
رقم الفتوى : 13237
 السؤال :
 2024-07-25
 34
مَا تَفْسِيرُ قَوْلِ اللهِ تعالى: ﴿فَإِذَا قَضَيْتُمُ الصَّلَاةَ فَاذْكُرُوا اللهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِكُمْ فَإِذَا اطْمَأْنَنْتُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا﴾؟
رقم الفتوى : 13230
 السؤال :
 2024-07-25
 81
مَا دَامَ رَبُّنَا عَزَّ وَجَلَّ فَتَحَ بَابَ التَّوْبَةِ لِلْعَبْدِ مَا لَمْ يُغَرْغِرْ، فَكَيْفَ نُوَفِّقُ بَيْنَ هَذَا، وَبَيْنَ قَوْلِهِ تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ ثُمَّ ازْدَادُوا كُفْرًا لَنْ تُقْبَلَ تَوْبَتُهُمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الضَّالُّونَ﴾؟
رقم الفتوى : 13229
 السؤال :
 2024-07-25
 61
مَا تَفْسِيرُ قَوْلِ اللهِ تعالى: ﴿أَفَكُلَّمَا جَاءَكُمْ رَسُولٌ بِمَا لَا تَهْوَى أَنْفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقًا كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقًا تَقْتُلُونَ﴾؟
رقم الفتوى : 13228
 السؤال :
 2023-08-07
 151
مَا تَفْسِيرُ قَوْلِ اللهِ تعالى: ﴿وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ﴾؟
رقم الفتوى : 12669
 السؤال :
 2023-03-23
 1743
مَا هِيَ النَّارُ الكُبْرَى المُشَارُ إِلَيْهَا في قَوْلِهِ تعالى: ﴿فَذَكِّرْ إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرَى * سَيَذَّكَّرُ مَنْ يَخْشَى * وَيَتَجَنَّبُهَا الْأَشْقَى * الَّذِي يَصْلَى النَّارَ الْكُبْرَى* ثُمَّ لَا يَمُوتُ فِيهَا وَلَا يَحْيَى﴾؟
رقم الفتوى : 12465

الفهرس الموضوعي

البحث في الفتاوى

الفتاوى 5630
المقالات 3193
المكتبة الصوتية 4860
الكتب والمؤلفات 20
الزوار 417811651
جميع الحقوق محفوظة لموقع الشيخ أحمد النعسان © 2024 
برمجة وتطوير :