الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فَمَا يُقَالُ عَنْهُ حَقُّ المِلْحِ فِي يَوْمِ عِيدِ الفِطْرِ، بِحَيْثُ يَقُومُ الزَّوْجُ بِتَقْدِيمِ هَدِيَّةٍ لِزَوْجَتِهِ بَعْدَ انْتِهَاءِ شَهْرِ رَمَضَانَ تَقْدِيرًا لِجُهُودِهَا المَبْذُولَةِ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ نَحْوَ بَيْتِهَا وَزَوْجِهَا وَأَوْلَادِهَا، طِيلَةَ شَهْرِ رَمَضَانَ المُبَارَكِ، هُوَ فِي الحَقِيقَةِ عَادَةٌ مِنَ العَادَاتِ الَّتِي ظَهَرَتْ فِي المَغْرِبِ العَرَبِيِّ، حَيْثُ يُقَدِّمُ الزَّوْجُ لِزَوْجَتِهِ هَدِيَّةً يَوْمَ عِيدِ الفِطْرِ، وَفِي الغَالِبِ تَكُونُ قِطْعَةً مِنَ الذَّهَبِ.
وَهَذِهِ الهَدِيَّةُ رَمْزٌ لِعُمْقِ العَلَاقَةِ بَيْنَ الزَّوْجِ وَزَوْجَتِهِ، وَاعْتِرَافٌ بِحَقِّ العِشْرَةِ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ.
وَسُمِّيَتْ هَذِهِ العَادَةُ بِاسْمِ حَقِّ المِلْحِ، لِأَنَّ الزَّوْجَةَ قَدْ تَضْطَرُّ لِتَذَوُّقِ مُلُوحَةِ الطَّعَامِ أَثْنَاءَ صِيَامِهَا، دُونَ ابْتِلَاعِهِ، إِكْرَامًا مِنْهَا لِزَوْجِهَا وَأَبْنَائِهَا.
وَبِنَاءً عَلَى ذَلِكَ:
فَمَا يُسَمَّى حَقَّ المِلْحِ يَوْمَ عِيدِ الفِطْرِ لَا أَصْلَ لَهُ فِي شَرْعِ اللهِ تَعَالَى، إِنَّمَا هُوَ عَادَةٌ ظَهَرَتْ فِي المَغْرِبِ العَرَبِيِّ وَمِنْهَا تَسَرَّبَتْ إلى بَعْضِ البُلْدَانِ العَرَبِيَّةِ الأُخْرَى، وَبَدَأَتْ تُطَالِبُ الزَّوْجَةُ زَوْجَهَا بِذَلِكَ الحَقِّ، وَبِشَكْلٍ عَامٍّ ـ إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّي عَزَّ وَجَلَّ ـ نَسِيَتِ الزَّوْجَةُ أَكْثَرَ وَاجِبَاتِهَا نَحْوَ زَوْجِهَا، وَتَسَاهَلَتْ فِي حُقُوقِهِ، وَهَا هِيَ تُطَالِبُ الزَّوْجَ بِحَقِّ المِلْحِ يَوْمَ عِيدِ الفِطْرِ، وَإِلَّا جَعَلَتْ أَيَّامَ عِيدِهِ أَيَّامَ تَعَبٍ وَنَصَبٍ وَمَشَاكِلَ.
لِذَلِكَ أَقُولُ لِلْمَرْأَةِ: يَا أُخْتَاهُ، اتَّقِي اللهَ عَزَّ وَجَلَّ فِي زَوْجِكِ، وَقُومِي بِمَا كُلِّفْتِ بِهِ شَرْعًا نَحْوَهُ وَنَحْوَ الأَوْلَادِ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ وَفِي غَيْرِهِ.
كَمَا أَقُولُ لِلزَّوْجِ: يَا أَخَاهُ، اتَّقِ اللهَ فِي زَوْجَتِكَ وَعَاشِرْهَا بِالمَعْرُوفِ، كَمَا أَمَرَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ، وَلَا يَنْسَ كُلٌّ مِنَ الزَّوْجَيْنِ قَوْلَ اللهِ تَعَالَى: ﴿وَلَا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ﴾. وَقَوْلَهُ تَعَالَى: ﴿وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ﴾. وَقَوْلَهُ تَعَالَى: ﴿هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ﴾ هذا، والله تعالى أعلم.