نزع الأرض من يد أصحابها بالقوة

1306 - نزع الأرض من يد أصحابها بالقوة

06-08-2008 15 مشاهدة
 السؤال :
ما حكم شراء مسكن من جمعية سكنية، شيَّدت البناء على أرض مستملكة ـ حيث تم نزع الأرض من يد أصحابها بالقوة بثمن رمزي ـ؟
 الاجابة :
رقم الفتوى : 1306
 2008-08-06

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فَإِذَا تَمَّ عَقْدُ بَيْعِ الأَرْضِ بَيْنَ المُشْتَرِي وَصَاحِبِهَا بِرِضَاهُ فَلَا إِشْكَالَ في ذَلِكَ، وَكَذَلِكَ إِذَا تَمَّ نَزْعُ الأَرْضُ مِنْ صَاحِبِهَا بِالقُوَّةِ، وَدُفِعَ لَهُ ثَمَنُهَا وَلَو كَانَ رَمْزِيًّا، وَبِوُسْعِهِ أَنْ يَعْتَرِضَ عَلَى النَّزْعِ وَالثَّمَنِ وَلَمْ يَعْتَرِضْ فَكَذَلِكَ لَا إِشْكَالَ في ذَلِكَ، لِأَنَّ عَدَمَ الاعْتِرَاضِ عَلَى النَّزْعِ وَالثَّمَنِ مَعَ القُدْرَةِ عَلَى ذَلِكَ دَلِيلٌ عَلَى الرِّضَى.

أَمَّا إِذَا اعْتَرَضَ عَلَى النَّزْعِ وَعَلَى القِيمَةِ، أَو عَلَى أَحَدِهِمَا، وَجَارَ القَاضِي في حُكْمِهِ وَظَلَمَ، وَلَمْ يَتَمَكَّنْ صَاحِبُ الأَرْضِ مِنِ اسْتِرْدَادِ أَرْضِهِ، أَو لَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْ أَخْذِ قِيمَتِهَا الحَقِيقِيَّةِ، فَإِنِّي أَرَى هَذَا غَصْبًا.

وَالغَصْبُ حَرَامٌ بِنَصِّ القُرْآنِ وَالسُّنَّةِ وَالإِجْمَاعِ، قَالَ تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا * وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ عُدْوَانًا وَظُلْمًا فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَارًا وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللهِ يَسِيرًا﴾ [النساء: 29 ـ 30].

وَقَالَ تعالى: ﴿وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقًا مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالْإِثْمِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ﴾ [البقرة: 188].

وَيَقُولُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «فَإِنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ وَأَعْرَاضَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ، كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا، فِي بَلَدِكُمْ هَذَا، فِي شَهْرِكُمْ هَذَا» رَوَاهُ الشَّيْخَانِ.

وَيَقُولُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «لَا يَحِلُّ مَالُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ إِلَّا بِطِيبِ نَفْسٍ مِنْهُ» رَوَاهُ البَيْهَقِيُّ.

وَيَقُولُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ أَخَذَ شِبْرًا مِنَ الْأَرْضِ ظُلْمًا، فَإِنَّهُ يُطَوَّقُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ سَبْعِ أَرَضِينَ» رَوَاهُ الإِمَامُ مُسْلِمٌ.

وَيَقُولُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «عَلَى الْيَدِ مَا أَخَذَتْ حَتَّى تُؤَدِّيَهُ» رَوَاهُ البَيْهَقِيُّ.

وَيَقُولُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «فَمَنْ قَضَيْتُ لَهُ مِنْ حَقِّ أَخِيهِ شَيْئًا فَلَا يَأْخُذْهُ، فَإِنَّمَا أَقْطَعُ لَهُ قِطْعَةً مِنَ النَّارِ» رَوَاهُ الإِمَامُ البُخَارِيُّ.

وَأَجْمَعَ المُسْلِمُونَ عَلَى تَحْرِيمِ الغَصْبِ، وَهُوَ مَعْصِيَةٌ كَبِيرَةٌ وَإِنْ لَمْ يَبْلُغِ المَغْصُوبُ نِصَابَ السَّرِقَةِ.

وَعِنْدَ جُمْهُورِ الفُقَهَاءِ لَا يَحِلُّ للغَاصِبِ أَنْ يَتَصَرَّفَ في المَغْصُوبِ تَصَرُّفًا يُضَيِّعُ فِيهِ حَقُّ المَالِكِ، فَلَا يَجُوزُ لَهُ بَيْعُهُ أَو إِجَارَتُهُ، وَلَا إِتْلَافُهُ وَلَا اسْتِعْمَالُهُ، لِقَوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ إِلَى أَنْ تَلْقَوْا رَبَّكُمْ» رَوَاهُ الإِمَامُ أَحْمَدُ.

وَلِقَوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ عَمِلَ عَمَلًا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ» رَوَاهُ الإِمَامُ البُخَارِيُّ.

لِذَلِكَ سَوْفُ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ، كَمَا قَالَ تعالى: ﴿وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا﴾ [الفرقان: 27]. وَالغَصْبُ لَيْسَ مِنَ السَّبِيلِ الذي جَاءَ بِهِ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَلَيْسَ مِمَّا كَانَ عَلَيْهِ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ.

وَكَذَلِكَ لَا يَجُوزُ إِعَانَةُ الظَّالِمِ عَلَى ظُلْمِهِ، لِقَوْلِ الله تعالى: ﴿وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ﴾ [المائدة: 2] وَلِقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «انْصُرْ أَخَاكَ ظَالِمًا أَوْ مَظْلُومًا».

فَقَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَنْصُرُهُ إِذَا كَانَ مَظْلُومًا، أَفَرَأَيْتَ إِذَا كَانَ ظَالِمًا كَيْفَ أَنْصُرُهُ؟

قَالَ: «تَحْجُزُهُ، أَوْ تَمْنَعُهُ مِنَ الظُّلْمِ فَإِنَّ ذَلِكَ نَصْرُهُ» رَوَاهُ الشَّيْخَانِ.

وَإِنْ لَمْ يَكُنْ بِوُسْعِنَا أَنْ نَأْخُذَ عَلَى يَدِ الظَّالِمِ المُغْتَصِبِ بِنَزْعِ المَغْصُوبِ مِنْهُ وَرَدِّهِ إلى المَظْلُومِ، فَلَا أَقَلَّ مِنْ أَنْ لَا نَمُدَّ يَدَنَا إِلَيْهِ مُتَعَاوِنِينَ مَعَهُ بَيْعًا وَشِرَاءً وَرَهْنًا وَإِيجَارًا وَمَا شَاكَلَ ذَلِكَ.

وَبِنَاءً عَلَى ذَلِكَ:

فَإِذَا تَمَّ نَزْعُ الأَرْضِ مِنْ يَدِ صَاحِبِهَا بِثَمَنِ المِثْلِ، أَو بِثَمَنٍ رَمْزِيٍّ دُونَ اعْتِرَاضٍ، وَهُوَ بِوُسْعِهِ أَنْ يَعْتَرِضَ، فَلَا حَرَجَ مِنْ شِرَاءِ مَسْكَنٍ شُيِّدَ عَلَى هَذِهِ الأَرْضِ.

وَأَمَّا إِذَا عَجَزَ صَاحِبُ الأَرْضُ عَنِ اسْتِرْدَادِ أَرْضِهِ، أَو عَجَزَ عَنْ أَخْذِ ثَمَنِ المِثْلِ مِمَّنِ اغْتَصَبَهَا مِنْهُ، فَإِنِّي لَا أَرَى جَوَازَ شِرَاءِ مَسْكَنٍ شُيِّدَ عَلَى هَذِهِ الأَرْضِ، لِأَنَّهُ مِنَ التَّعَاوُنِ عَلَى الإِثْمِ وَالعُدْوَانِ، وَالمُؤْمِنُ يَجِبُ أَنْ يُعَامِلَ الآخَرِينَ كَمَا يُحِبُّ أَنْ يُعَامِلَهُ الآخِرُونَ، وَإِنْ كَانَ هُنَاكَ مِنَ السَّادَةِ العُلَمَاءِ مَنْ يَرَى جَوَازَ ذَلِكَ، لِأَنَّهُمْ يَعْتَبِرُونَ هَذَا مِنْ حَقِّ السُّلْطَانِ، وَالسُّلْطَانُ إِنْ كَانَ جَائِرًا في تَقْدِيرِ قِيمَةِ الأَرْضِ فَإِثْمُهُ هُوَ الذي يَتَحَمَّلُهُ لَا غَيْرُهُ.

وَأَنَا لَا أَرَى هَذَا، فَانْظُرْ يَا أَخِي إلى أَيِّ شَيْءٍ يَرْتَاحُ قَلْبُكَ؟ وَضَعْ نَفْسَكَ أَنْتَ مَكَانَ صَاحِبِ الأَرْضِ، ثُمَّ تَعَامَلْ عَلَى هَذَا الأَسَاسِ، وَإِنِّي أَرْجُو اللهَ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ يُفَرِّجَ عَنَّا وَعَنْكَ، وَأَنْ يُهَيِّئَ لِشَبَابِ هَذِهِ الأُمَّةِ أَسْبَابَ الزَّوَاجِ، إِنَّهُ خَيْرُ مَسْؤُولٍ وَمَأْمُولٍ. هذا، والله تعالى أعلم.

 

 

المجيب : الشيخ أحمد شريف النعسان
15 مشاهدة
الملف المرفق
 
 
 

مواضيع اخرى ضمن  البيوع والمعاملات المحرمة

 السؤال :
 2022-02-17
 209
هَلْ يَجُوزُ بَيْعُ وَشِرَاءُ العُمْلَاتِ الرَّقَمِيَّةِ؟
 السؤال :
 2021-01-20
 35
سمعت فتوى من بعض العلماء من خلال قناة فضائية، بجواز بيع الخمر والخنزير لغير المسلمين، في بلاد الاغتراب، فما مدى صحة هذه الفتوى؟
 السؤال :
 2021-01-20
 720
رجل اشترى سلعة بالأقساط الشهرية، واشترط البائع عليه، بأنه إذا تأخر في دفع قسط من الأقساط، فإنه سيزيد عليه نسبة معينة جزاء التأخير، فما مدى صحة هذا العقد؟ هل هو صحيح والشرط لاغٍ، أم إنه عقد باطل؟
 السؤال :
 2021-01-20
 54
ما حكم شراء ورقة يانصيب؟ وإذا ابتلي الإنسان بذلك وربح مالاً من خلال ذلك، فما هو الواجب الشرعي عليه؟
 السؤال :
 2020-06-13
 1208
مَا حُكْمُ شِرَاءِ بَيْتٍ في دَوْلَةٍ أَوربيةٍ، عَنْ طَرِيقِ بَنْكٍ رِبَوِيٍّ، حَيْثُ أَقْسَاطُهُ أَقَلُّ مِنْ آجَارِ البَيْتِ؟
 السؤال :
 2018-12-19
 1875
لي مخصصات من مادة المازوت، وأنا لست بحاجة إليها، فهل يجوز أن أبيعها لجاري، وأطلب من البائع أن يفرغ المازوت في خزان جاري؟

الفهرس الموضوعي

البحث في الفتاوى

الفتاوى 5600
المقالات 3116
المكتبة الصوتية 4652
الكتب والمؤلفات 20
الزوار 410681454
جميع الحقوق محفوظة لموقع الشيخ أحمد النعسان © 2023 
برمجة وتطوير :