الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فَمِنْ شُرُوطِ صِحَّةِ الصَّرْفِ مِنْ عُمْلَةٍ وَاحِدَةٍ التَّمَاثُلُ وَالتَّقَابُضُ في مَجْلِسِ العَقْدِ، وَهَذَا مَا صَرَّحَ بِهِ الحَنَفِيَّةُ وَالمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالحَنَابِلَةُ، وَذَلِكَ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «الذَّهَبُ بِالذَّهَبِ، وَالْفِضَّةُ بِالْفِضَّةِ، وَالْبُرُّ بِالْبُرِّ، وَالشَّعِيرُ بِالشَّعِيرِ، وَالتَّمْرُ بِالتَّمْرِ، وَالْمِلْحُ بِالْمِلْحِ، مِثْلًا بِمِثْلٍ، سَوَاءً بِسَوَاءٍ، يَدًا بِيَدٍ، فَإِذَا اخْتَلَفَتْ هَذِهِ الْأَصْنَافُ، فَبِيعُوا كَيْفَ شِئْتُمْ، إِذَا كَانَ يَدًا بِيَدٍ» أَيْ: مُقَابَضَةً. رَوَاهُ الإِمَامُ مُسْلِمٌ عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.
وَبِنَاءً عَلَى ذَلِكَ:
فَلَا تَصِحُّ هَذِهِ المُعَامَلَةُ بِصُورَتَيْهَا، لِأَنَّهَا مِنَ المُعَامَلَاتِ الرِّبَوِيَّةِ المُحَرَّمَةِ بِالكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، قَالَ تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾.
وَجَاءَ في الحَدِيثِ الشَّرِيفِ الذي رَوَاهُ الإِمَامُ مُسْلِمٌ عَنْ جَابِرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: لَعَنَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ آكِلَ الرِّبَا، وَمُؤْكِلَهُ، وَكَاتِبَهُ، وَشَاهِدَيْهِ؛ وَقَالَ: «هُمْ سَوَاءٌ».
وَإِذَا كَانَ المُحَوِّلُ، أَو الدَّائِنُ يَعْتَبِرُ هَذَا مِنْ بَابِ الجَيِّدِ وَالرَّدِيءِ، يَعْنِي أَنَّ فِئَةَ الخَمْسِمِئَةِ أَو الأَلْفِ رَدِيئَةٌ، وَفِئَةَ الخَمْسَةِ آلَافٍ جَيِّدَةٌ، فَلَا عِبْرَةَ لِذَلِكَ أَمَامَ قَوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «جَيِّدُهَا وَرَدِيئُهَا سَوَاءٌ» كذا في نصب الراية.
لِأَنَّ تَفَاوُتَ الوَصْفِ لَا يُعَدُّ تَفَاوُتًا عَادَةً. هذا، والله تعالى أعلم.