الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فَهَذَا العَقْدُ مِنَ الصِّرَافَةِ غَيْرُ جَائِزٍ شَرْعَاً، لِسَبَبَيْنِ:
الأَوَّلُ: هَذَا العَقْدُ اشْتَمَلَ عَلَى عَقْدَيْنِ اثْنَيْنِ عَقْدِ الصِّرَافَةِ وَعَقْدِ الحَوَالَةِ، وَسَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ بَيْعَتَيْنِ في بَيْعَةٍ.
الثَّانِي: عَقْدُ الصِّرَافَةِ يُشْتَرَطُ فِيهِ التَّقَابُضُ في مَجْلِسِ العَقْدِ، لِقَوْلِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «الذَّهَبُ بِالذَّهَبِ، وَالْفِضَّةُ بِالْفِضَّةِ، وَالْبُرُّ بِالْبُرِّ، وَالشَّعِيرُ بِالشَّعِيرِ، وَالتَّمْرُ بِالتَّمْرِ، وَالْمِلْحُ بِالْمِلْحِ، مِثْلَاً بِمِثْلٍ، سَوَاءً بِسَوَاءٍ، يَدَاً بِيَدٍ، فَإِذَا اخْتَلَفَتْ هَذِهِ الْأَصْنَافُ، فَبِيعُوا كَيْفَ شِئْتُمْ، إِذَا كَانَ يَدَاً بِيَدٍ» رواه الإمام مسلم عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.
وَاتَّفَقَ الفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّهُ يُشْتَرَطُ في صِحَّةِ عَقْدِ الصَّرْفِ التَّقَابُضُ في البَدَلَيْنِ قَبْلَ التَّفَرُّقِ.
قَالَ ابْنُ المُنْذِرِ: أَجْمَعَ كُلُّ مَنْ نَحْفَظُ عَنْهُ مِنْ أَهْلِ العِلْمِ عَلَى أَنَّ المُتَصَارِفَيْنِ إِذَا افْتَرَقَا قَبْلَ أَنْ يَتَقَابَضَا أَنَّ الصَّرْفَ فَاسِدٌ.
وبناء على ذلك:
فَهَذِهِ المُعَامَلَةُ فَاسِدَةٌ لِسَبَبَيْنِ، السَّبَبُ الأَوَّلُ أَنَّهَا عَقْدَانِ في عَقْدٍ وَاحِدٍ، عَقْدُ صِرَافَةٍ وَعَقْدُ حَوَالَةٍ، وَهَذَا لَا يَجُوزُ شَرْعَاً.
وَالسَّبَبُ الثَّانِي أَنَّ التَّقَابُضَ مَفْقُودٌ في هَذِهِ المُعَامَلَةِ، وَالشَّرْطُ الأَسَاسِيُّ في الصِّرَافَةِ التَّقَابُضُ.
وَالمَخْرَجُ الشَّرْعِيُّ لِذَلِكَ:
أَنْ تَقُومَ أَوَّلَاً بِعَقْدِ الصِّرَافَةِ تُسَلِّمُ وَتَسْتَسْلِمُ في مَجْلِِسِ العَقْدِ، ثُمَّ تَقُومُ بِعَقْدِ الحَوَالَةِ ثَانِيَةً، وَتَدْفَعُ لَهُ أُجْرَةَ الحَوَالَةِ. هذا، والله تعالى أعلم.