الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فَقَدْ ذَهَبَ جُمْهُورُ الفُقَهَاءِ إِلَى أَنَّ بَيْعَ عُمْلَةٍ بِعُمْلَةٍ أُخْرَى جَائِزٌ شَرْعًا، وَيُسَمَّى هَذَا العَقْدُ عقْدَ صَرْفٍ، وَلَكِنَّهُمُ اشْتَرَطُوُا تَقَابُضَ البَدَلَيْنِ فِي مَجْلِسِ العَقْدِ.
يَقُولُ ابْنُ المُنْذِرِ: أَجْمَعَ كُل مَنْ نَحْفَظُ عَنْهُ مِنْ أَهْل الْعِلْمِ عَلَى أَنَّ الْمُتَصَارِفَيْنِ إِذَا افْتَرَقَا قَبْل أَنْ يَتَقَابَضَا أَنَّ الصَّرْفَ فَاسِدٌ. اهـ. كَذَا فِي المُغْنِي.
وَبِنَاءً عَلَى ذَلِكَ:
فَبَيْعِ الدُّولَارِ بِالعُمْلَةِ السُّورِيَّةِ جَائِزٌ شَرْعًا إِذَا تَمَّ تَبَادُلُ العُمْلَتَيْنِ فِي مَجْلِسِ العَقْدِ، وَلَا يَجُوزُ تَأْجِيلُ أَحَدِهِمَا، فَإِنْ حَصَلَ التَّأْجِيلُ فَالعَقْدُ بَاطِلٌ شَرْعًا، لِقَوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «الذَّهَبُ بِالذَّهَبِ، وَالْفِضَّةُ بِالْفِضَّةِ، وَالْبُرُّ بِالْبُرِّ، وَالشَّعِيرُ بِالشَّعِيرِ، وَالتَّمْرُ بِالتَّمْرِ، وَالْمِلْحُ بِالْمِلْحِ، مِثْلًا بِمِثْلٍ، سَوَاءً بِسَوَاءٍ، يَدًا بِيَدٍ، فَإِذَا اخْتَلَفَتْ هَذِهِ الْأَصْنَافُ، فَبِيعُوا كَيْفَ شِئْتُمْ، إِذَا كَانَ يَدًا بِيَدٍ» رَوَاهُ الإِمَامُ مُسْلِمٌ عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.
فَبَيْعِ الدُّولَارِ بِالعُمْلَةِ السُّورِيَّةِ عَلَى أَنْ يَتِمَّ التَّسْدِيدُ بَعْدَ شَهْرٍ لَا يَجُوزُ شَرْعًا، وَهُوَ كَبِيرَةٌ مِنَ الكَبَائِرِ، لِمُخَالَفَةِ قَوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «يَدًا بِيَدٍ». هذا، والله تعالى أعلم.