الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
تَعْلِيقُ الكُفْرِ عَلَى مَا لَا يُرِيدُهُ الإِنْسَانُ بِقَصْدِ التَّأْكِيدِ عَلَى فِعْلِ أَمْرٍ أَوْ تَرْكِهِ يُعْتَبَرُ يَمِينًا شَرْعِيَّةً تَلْتَحِقُ بِاليَمِينِ بِاللهِ تعالى، لِمَا رُوِيَ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ خَارِجَةَ بْنِ زَيْدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، أَنَّهُ سُئِلَ عَنِ الرَّجُلِ يَقُولُ: هُوَ يَهُودِيُّ أَوْ نَصْرَانِيُّ أَوْ بَرِيءٌ مِنَ الْإِسْلَامِ فِي الْيَمِينِ يَحْلِفُ عَلَيْهِ فَيَحْنَثُ.
قَالَ: «كَفَّارَةُ يَمِينٍ».
وَيَقُولُ صَاحِبُ البَدَائِعِ: إِنَّ الحَلِفَ بِأَلْفَاظِ الكُفْرِ يَمِينٌ اسْتِحْسَانًا، لِأَنَّهُ مُتَعَارَفٌ بَيْنَ النَّاسِ، فَإِنَّهُمْ يَحْلِفُونَ بِهَذِهِ الأَلْفَاظِ مِنْ عَهْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ إلى يَوْمِنَا هَذَا مِنْ غَيْرِ نَكِيرٍ.
وَلَوْ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ حَلْفًا شَرْعِيًّا لَمَا تَعَارَفُوهُ، لِأَنَّ الحَلِفَ بِغَيْرِ اللهِ تعالى مَعْصِيَةٌ، فَدَلَّ تَعَارُفُهُمْ عَلَى أَنَّهُمْ جَعَلُوا ذَلِكَ كِنَايَةً عَنِ الحَلِفِ بِاللهِ تعالى، وَإِنْ لَمْ يُعْقَلْ وَجْهُ الكِنَايَةِ.
وَبِنَاءً عَلَى ذَلِكَ:
يَتَرَتَّبُ عَلَى هَذِهِ المَرْأَةِ كَفَّارَةُ يَمِينٍ، وَهِيَ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ.
وَإِنْ كَانَتْ فَقِيرَةً لَا تَمْلِكُ إِطْعَامَ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ، وَجَبَ عَلَيْهَا أَنْ تَصُومَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ مُتَتَابِعَةٍ. هذا، والله تعالى أعلم.
ارسل إلى صديق |
