الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فَقَدِ اتَّفَقَ الفُقَهَاءُ على التَّخْيِيرِ في كَفَّارَةِ اليَمِينِ بَيْنَ أَرْبَعِ خِصَالٍ، بَيْنَ إِطْعَامِ عَـشَرَةِ مَسَاكِينَ، أَو كِسْوَتِهِم، أَو عِتْقِ رَقَبَةٍ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ مَا يُكَفِّرُ بِهِ مِنْ هَذِهِ الثَّلَاثَةِ، حَيْثُ عَجَزَ عَنِ الإِطْعَامِ، وَالكِسْوَةِ، وَالعِتْقِ، صَامَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، فَهِيَ كَفَّارَةٌ على التَّخْيِيرِ في الثَّلَاثَةِ الأُولَى، وعلى التَّرْتِيبِ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الخَصْلَةِ الرَّابِعَةِ، وَالأَصْلُ فِيهَا قَوْلُهُ تعالى: ﴿لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الْأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾.
فَاللهُ تعالى خَيَّرَهُ بِأَنْ يَأْتِيَ بِأَيِّ خَصْلَةٍ شَاءَ مِنَ الثَّلَاثَةِ الأُوَلِ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ وَاحِدَةً مِنْهَا، انْتَقَلَ إلى الصِّيَامِ.
وبناء على ذلك:
فَمَنْ حَنَثَ في يَمِينِهِ، وَلَمْ تَكُنْ عِنْدَهُ اسْتِطَاعَةٌ على الإِطْعَامِ أَو الكِسْوَةِ أَو عِتْقِ الرَّقَبَةِ، فَإِنَّهُ يَصُومُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ مُتَتَالِيَاتٍِ، هَذَا عِنْدَ الحَنَفِيَّةِ وَالحَنَابِلَةِ، لِقِرَاءَةِ ابْنِ مَسْعُودٍ وَأُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ: ﴿فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ مُتَتَابِعَاتٍ﴾. فَالتَّتَابُعُ عِنْدَهُمْ وَاجِبٌ.
أَمَّا عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَالمَالِكِيَّةِ لَا يَجِبُ التَّتَابُعُ. هذا، والله تعالى أعلم.
ارسل إلى صديق |