الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فإن التقرُّب إلى الله تعالى لا يكون إلا عن طريق مشروع شرعه الله تعالى لعباده، ومن أراد التقرُّب إلى الله تعالى بطريق غير مشروع ردَّه الله تعالى عليه.
جاء في الحديث الشريف: (إِنَّ اللَّهَ طَيِّبٌ لا يَقْبَلُ إِلا طَيِّبًا) رواه مسلم. وفي حديث آخر يقول صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم: (ومن جمع مالاً حراماً ثم تصدق به لم يكن له فيه أجر، وكان إصره عليه) رواه ابن خزيمة والحاكم والبيهقي. وفي حديث ثالث يقول صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم: (من كسب مالاً من حرام فأعتق منه ووصل منه رحمه، كان ذلك إصراً عليه) رواه الطبراني كما في الترغيب والترهيب. وفي حديث رابع يقول صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم: (من اكتسب مالاً من مأثم، فوصل به رحمه، أو تصدق به، أو أنفقه في سبيل الله، جمع ذلك كله جميعاً فقذف به في جهنم) رواه أبو داود في المراسيل كما في الترغيب والترهيب.
وبناء على ذلك:
فلا يجوز بناء المسجد من مال حرام ـ ربوي أو سرقة أو رشوة أو مهنة محرَّمة ـ لأن المال الحرام يجب ردُّه إلى أصحابه، فإن لم يعرف أصحابه فيتخلص منه بصرفه إلى الفقراء.
وأما مال المهنة المحرَّمة فإنه يتخلَّص منه بصرفه إلى الفقراء، ويجب على صاحبه أن يعتقد أن لا أجر له في هذا المال، لأن الله تعالى طيب لا يقبل إلا طيباً، ولأن التوبة الصادقة لا تكون إلا بالتخلُّص من المال الحرام في غير المساجد وشراء نسخ من القرآن الكريم.
والصلاة في مسجد أنشئ من مال حرام مكروهة تحريماً يجب إعادتها قبل خروج الوقت. هذا عند السادة المالكية، كما جاء في شرح مختصر خليل للخرشي ( فَائِدَةٌ ) الصَّلَاةُ فِي الْمَسَاجِدِ الْمَبْنِيَّةِ بِالْمَالِ الْحَرَامِ مَكْرُوهَةٌ وَكَذَلِكَ الْحَوَانِيتُ الْمَبْنِيَّةُ بِالْحَرَامِ مَكْرُوهَةٌ قَالَهُ فِي الذَّخِيرَةِ.
وجاء في حاشية الدسوقي على الشرح الكبير: (وَكَذَا تُكْرَهُ الصَّلَاةُ فِي مَسْجِدٍ بُنِيَ بِمَالٍ حَرَامٍ وَلَمْ تَحْرُمْ لِأَنَّ الْمَالَ يَتَعَلَّقُ بِالذِّمَمِ). هذا، والله تعالى أعلم.