الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
يَحْرُمُ عَلَى الرَّجُلِ وَالمَرْأَةِ المُسْلِمَيْنِ أَنْ يَحْتَكِمَا لِغَيْرِ شَرِيعَةِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَذَلِكَ لِقَوْلِ اللهِ تعالى: ﴿فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾.
وَلِقَوْلِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا﴾.
وَلِقَوْلِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللهَ كَانَ عَلِيمًا خَبِيرًا﴾.
فَالحُكْمُ للهِ عَزَّ وَجَلَّ وَلِرَسُولِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَالاحْتِكَامُ للهِ وَلِرَسُولِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَالحَاكِمُ في قَضِيَّةٍ بَيْنَ المُسْلِمِينَ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ مُسْلِمًا لِيَحْكُمَ بِمَا أَنْزَلَ اللهُ تعالى.
فَمَنْ دُعِيَ للاحْتِكَامِ إلى كِتَابِ اللهِ وَسُنَّةِ رَسُولِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ فَرَفَضَ جُحُودًا وَاسْتِخْفَافًا وَاسْتِهَانَةً فَقَدِ ارْتَدَّ وَالعِيَاذُ بِاللهِ، وَتُطَبَّقُ عَلَيْهِ أَحْكَامُ الرِّدَّةِ.
أَمَّا مَنِ اعْتَذَرَ مَعَ الإِقْرَارِ بِوُجُوبِ الاحْتِكَامِ لِكِتَابِ اللهِ وَسُنَّةِ رَسُولِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ فَلَا يُعْتَبَرُ مُرْتَدًّا بَلْ هُوَ فَاسِقٌ.
وَلَا يَسْتَطِيعُ أَحَدٌ أَنْ يُفَرِّقَ بَيْنَ زَوْجَيْنِ مُسْلِمَيْنِ إِلَّا أَنْ يُطَلِّقَ الرَّجُلُ زَوْجَتَهُ، أَوْ أَنْ تَكُونَ مُفَوَّضَةً بِطَلَاقِ نَفْسِهَا مِنْ زَوْجِهَا، أَوْ أَنْ يُطَلِّقَهَا القَاضِي الشَّرْعِيُّ.
وَبِنَاءً عَلَى ذَلِكَ:
1ـ يَحْرُمُ عَلَى الزَّوْجَةِ أَنْ تَحْتَكِمَ لِغَيْرِ شَرْعِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، فَإِنْ أَبَتِ الاحْتِكَامَ لِشَرْعِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ جُحُودًا وَعِنَادًا فَهِيَ مُرْتَدَّةٌ ـ وَمَا أَظُنُّ امْرَأَةً مُسْلِمَةً تَعْتَقِدُ ذَلِكَ ـ وَإِنْ أَبَتْ مَعَ الإِقْرَارِ بِوُجُوبِ الاحْتِكَامِ لِشَرْعِ اللهِ فَهِيَ عَاصِيَةٌ، وَعَلَيْهَا التَّوْبَةُ وَالنَّدَمُ وَالاسْتِغْفَارُ.
2ـ إِنْ فَرَّقَتِ الحُكُومَةُ الإِيطَالِيَّةُ بَيْنَهُمَا، فَهَذَا التَّفْرِيقُ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ شَرْعًا، وَهِيَ زَوْجَةٌ لِزَوْجِهَا مَا لَمْ يُطَلِّقْهَا زَوْجُهَا أَوِ القَاضِي الشَّرْعِيُّ.
وَيَحْرُمُ عَلَيْهَا أَنْ تَتَزَوَّجَ بِغَيْرِهِ حَتَّى يُطَلِّقَهَا. هذا، والله تعالى أعلم.