الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
أَوَّلًا: اتَّفَقَ الفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ وَصِيَّةَ الرَّجُلِ المُسْلِمِ لِغَيْرِ المُسْلِمِ الكِتَابِيِّ جَائِزَةٌ شَرْعًا، وَذَلِكَ لِمَا رُوِيَ عَنِ السَّيِّدَةِ صَفِيَّةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا أَنَّهَا أَوْصَتْ لِابْنِ أَخِيهَا بِأَلْفِ دِينَارٍ، وَكَانَ يَهُودِيًّا.
ثَانِيًا: ذَهَبَ جُمْهُورُ الفُقَهَاءِ إلى أَنَّ الكَافِرَ لَا يَرِثُ المُسْلِمَ، لِأَنَّ المَوَارِيثَ قَدْ وَجَبَتْ لِأَهْلِهَا بِمَوْتِ المُوَرِّثِ، وَسَوَاءٌ أَكَانَ الارْتِبَاطُ بَيْنَ المُسْلِمِ وَالكَافِرِ بِالقَرَابَةِ أَمْ بِالنِّكَاحِ أَمْ بِالوَلَاءِ، وَذَلِكَ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «لَا يَتَوَارَثُ أَهْلُ مِلَّتَيْنِ شَتَّى» رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا.
وَلِقَوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «لَا يَرِثُ المُسْلِمُ الكَافِرَ وَلَا الكَافِرُ المُسْلِمَ» رَوَاهُ الإِمَامُ البُخَارِيُّ عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا.
وَبِنَاءً عَلَى ذَلِكَ:
فَلَا حَرَجَ مِنْ كِتَابَةِ هَذِهِ الوَصِيَّةِ لِزَوْجَتِهِ النَّصْرَانيَّةِ، بِشَرْطِ أَنْ تَكُونَ دُونَ الثُّلُثِ مِنْ تَرِكَتِهِ، إِلَّا أَنْ يُجِيزَهَا جَمِيعُ الوَرَثَةِ بَعْدَ وَفَاتِهِ، وَهُمْ عَاقِلُونَ بَالِغُونَ مُخْتَارُونَ، فَتُنَفَّذُ بَالِغَةً مَا بَلَغَتْ، وَلَكِنْ فِيهَا كَرَاهَةٌ، لِأَنَّ فِيهَا إِيثَارَ الكَافِرِ عَلَى المُسْلِمِ.
وَصَحَّتْ وَصِيَّةُ الزَّوْجِ لِزَوْجَتِهِ النَّصْرَانِيَّةِ لِأَنَّهَا لَا تَرِثُ مِنْهُ بِاتِّفَاقِ الفُقَهَاءِ، وَذَلِكَ لِاخْتِلَافِ الدِّينِ. هذا، والله تعالى أعلم.