الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
أولاً: بعدَ تخصيصِ الأرضِ مسجداً، وبعدَ بنائِهِ صارَ مُلكاً لله تعالى، وليسَ للبشرِ عليه سُلطانٌ، قال تعالى: ﴿وَأَنَّ المَسَاجِدَ لله﴾. وقال تعالى: ﴿وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن مَّنَعَ مَسَاجِدَ الله﴾.
ثانياً: اتَّفقَ الفقهاءُ على أنَّ المسجدَ اسمٌ يُطلقُ على الأرضِ والبناءِ والهواءِ، جاء في الدُّرِّ المنثورِ في القواعدِ للزَّركشيِّ: الهواءُ في الأرضِ والبناءُ تابعٌ لأصلِهِ، فهواءُ الطَّلقِ طلقٌ، وهواءُ الوقفِ وقفٌ، وهواءُ المسجدِ مسجدٌ.
وجاء في البحرِ الرَّائقِ: وَفِي المُجْتَبَى: لَا يَجُوزُ لِقَيِّمِ المَسْجِدِ أَنْ يَبْنِيَ حَوَانِيتَ فِي حَدِّ المَسْجِدِ أَوْ فِنَائِهِ.
وجاء في الفتاوى الهنديَّةِ: إذَا أَرَادَ إنْسَانٌ أَنْ يَتَّخِذَ تَحْتَ المَسْجِدِ حَوَانِيتَ غَلَّةً لِمَرَمَّةِ المَسْجِدِ أَوْ فَوْقَهُ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ.
وجاء فيها كذلك: قَيِّمُ المَسْجِدِ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَبْنِيَ حَوَانِيتَ فِي حَدِّ المَسْجِدِ أَوْ فِي فِنَائِهِ؛ لِأَنَّ المَسْجِدَ إذَا جُعِلَ حَانُوتاً وَمَسْكَناً تَسْقُطُ حُرْمَتُهُ وَهَذَا لَا يَجُوزُ، وَالفِنَاءُ تَبَعُ المَسْجِدِ فَيَكُونُ حُكْمُهُ حُكْمَ المَسْجِدِ، كَذَا فِي مُحِيطِ السَّرَخْسِيِّ.
ثالثاً: أخرج الحاكم والترمذي عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ، أَنَّ رَسُولَ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِذَا رَأَيْتُمْ مَنْ يَبِيعُ أَوْ يَبْتَاعُ فِي المَسْجِدِ، فَقُولُوا: لَا أَرْبَحَ اللهُ تِجَارَتَكَ، وَإِذَا رَأَيْتُمْ مَنْ يَنْشُدُ فِيهِ ضَالَّةً، فَقُولُوا لَا رَدَّ اللهُ عَلَيْكَ».
وبناء على ذلك:
فلا يجوزُ بناءُ محلاتٍ تجاريَّةً فوقَ سطحِ المسجدِ، كما لا يجوزُ بناءُ بيتٍ للإمامِ فوقَهُ بعدَ أن تمَّ بناءُ المسجدِ وخَرَجَ عن مُلكيَّةِ العبادِ.
ويقول أستاذنا الشيخ الفاضل الدكتور أحمد الحجي الكردي:
[ويجوز لمن أراد أن يبني مسجداً يكون تحته أو فوقه محلات لمصلحة المسجد أن يفعل ذلك قبل أن يقف المسجد، فإذا وقفه وجعله مسجداً حرم عليه ذلك لما تَقَدَّمَ]. هذا، والله تعالى أعلم.