الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
أولاً: الإِفْتَاءُ بِقَتْلِ الأَبْرِيَاءِ جَرِيمَةٌ كُبْرَى، وَمَنِ اسْتَحَلَّ قَتْلَ الأَبْرِيَاءِ فَإِنَّهُ يُخْشَى عَلَيْهِ مِنْ سُوءِ الخَاتِمَةِ ـ وَالعِيَاذُ بِاللهِِ تعالى ـ وَكَيْفَ يَجْرُؤُ الإِنْسَانُ عَلَى الإِفْتَاءِ بِجَوَازِ قَتْلِ الأَبْرِيَاءِ، وَاللهُ تعالى يَقُولُ: ﴿وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنَاً مُّتَعَمِّدَاً فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدَاً فِيهَا وَغَضِبَ اللهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابَاً عَظِيمَاً﴾؟ وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «مَنْ أَعَانَ عَلَى قَتْلِ مُؤْمِنٍ بِشَطْرِ كَلِمَةٍ لَقِيَ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ مَكْتُوبٌ بَيْنَ عَيْنَيْهِ آيِسٌ مِنْ رَحْمَةِ الله»؟ رواه ابن ماجه عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ.
ثانياً: جَاءَ في حِلْيَةِ الأَوْلِيَاءِ: كَتَبَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ العَزِيزِ إلى عَبْدِ الحَمِيدِ فَقَالَ: جَاءَنِي كِتَابُكَ، تَذَكَّرْ أَنَّ قَبْلَكَ قَوْمَاً مِنَ العُمَّالِ قَدِ اخْتَانُو مَالَاً فَهُوَ عِنْدَهُمْ، وَتَسْتَأْذِنُنِي في أَنْ أَبْسُطَ يَدَكَ عَلَيْهِمْ، فَالعَجَبُ مِنْكَ في اسْتِئْمَارِكَ إِيَّايَ في عَذَابِ بَشَرٍ كَأَنِّي جَنَّةٌ لَكَ، وَكَأَنَّ رِضَائِي عَنْكَ يُنْجِيكَ مِنْ سَخَطِ اللهِ، فَإِذَا جَاءَكَ كِتَابِي هَذَا فَانْظُرْ مَنْ أَقَرَّ مِنْهُمْ بِشَيْءٍ فَخُذْهُ بالذي أَقَرَّ بِهِ عَلَى نَفْسِهِ، وَمَنْ أَنْكَرَ فَاسْتَحلِفْهُ وَخَلِّ سَبِيلَهُ، فَلَعَمْرِي لَأَنْ يَلْقَوُا اللهَ بِخِيَانَاتِهِمْ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَلْقَى اللهَ بِدِمائِهِمْ. وَالسَّلَامُ.
وَبِنَاءً عَلَى ذَلِكَ:
فَمَنْ أَفْتَى بَجَوَازِ قَتْلِ الأَبْرِيَاءِ وَلَمْ يَتُبْ إلى اللهِ تعالى مِنْ ذَلِكَ فَإِنَّهُ يُخْشَى عَلَيْهِ مِنْ سُوءِ الخَاتِمَةِ، فَضْلَاً عَنْ أَنَّهُ يُكْتَبُ عَلَى جَبِينِهِ: آيِسٌ مِنْ رَحْمَةِ اللهِ تعالى.
وَلَكِنْ لَا يُمْكِنُ لِأَحَدٍ أَنْ يَقُولَ هَذَا الكَلَامَ عَنْ رَجُلٍ بِعَيْنِهِ، لِأَنَّ اللهَ تعالى أَخْفَى عَنَّا عَيْبَنَا فَضْلَاً عَنْ عُيُوبِ الآخَرِينَ، لَعَلَّ القَائِلَ والذي أَفْتَى بِذَلِكَ تَابَا إلى الله تعالى قَبْلَ مَوْتِهِما. هذا، والله تعالى أعلم.
ارسل إلى صديق |