الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فَقَدِ اخْتَلَفَ الفُقَهَاءُ فِي مَسِّ العَوْرَةِ هَلْ هُوَ نَاقِضٌ لِلْوُضُوءِ أَمْ لَا؟ فَعِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَالمَالِكِيَّةِ وَبَعْضِ الحَنَابِلَةِ بِأَنَّ مَسَّ فَرْجِ الآدَمِيِّ حَدَثٌ يَنْقُضُ الوُضُوءَ، لِقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ مَسَّ ذَكَرَهُ فَلَا يُصَلِّ حَتَّى يَتَوَضَّأَ» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ عَنْ بُسْرَةَ بِنْتِ صَفْوَانَ.
وَعِنْدَ الحَنَفِيَّةِ وَبَعْضِ الحَنَابِلَةِ، بِأَنَّ مَسَّ الفَرْجِ لَا يُعْتَبَرُ مِنَ الحَدَثِ الَّذِي يَنْقُضُ الوُضُوءَ لِلْحَدِيثِ الَّذِي رَوَاهُ النَّسَائِيُّ عَنْ قَيْسِ بْنِ طَلْقٍ بْنِ عَلِيٍّ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: خَرَجْنَا وَفْدًا حَتَّى قَدِمْنَا عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ فَبَايَعْنَاهُ وَصَلَّيْنَا مَعَهُ، فَلَمَّا قَضَى الصَّلَاةَ جَاءَ رَجُلٌ كَأَنَّهُ بَدَوِيٌّ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، مَا تَرَى فِي رَجُلٍ مَسَّ ذَكَرَهُ فِي الصَّلَاةِ؟
قَالَ: «وَهَلْ هُوَ إِلَّا مُضْغَةٌ مِنْكَ أَوْ بِضْعَةٌ مِنْكَ».
وَلَكِنْ يُنْدَبُ عِنْدَ الحَنَفِيَّةِ أَنْ يَغْسِلَ يَدَهُ إِذَا مَسَّ فَرْجَهُ، لِحَدِيثِ: «مَنْ مَسَّ ذَكَرَهُ فَلَا يُصَلِّ حَتَّى يَتَوَضَّأَ» جَمْعًا بَيْنَ الأَحَادِيثِ الشَّرِيفَةِ.
وَبِنَاءً عَلَى ذَلِكَ:
فَالأَحْوَطُ أَنْ يَتَوَضَّأَ الإِنْسَانُ إِذَا مَسَّ الفَرْجَ، خُرُوجًا مِنَ الخِلَافِ بَيْنَ الفُقَهَاءِ، وَمَنْ أَخَذَ بِقَوْلِ السَّادَةِ الحَنَفِيَّةِ وَبَعْضِ الحَنَابِلَةِ الَّذِينَ قَالُوا بِعَدَمِ نَقْضِ الوُضُوءِ بِمَسِّ الفَرْجِ، فَلَا حَرَجَ فِي ذَلِكَ. هذا، والله تعالى أعلم.