الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فإنَّ الشَّعرَ في جسَدِ الرَّجُلِ يَنقَسِمُ إلى ثَلاثَةِ أقسامٍ:
الأوَّلُ: شَعرٌ أمَرَ الشَّرعُ بِتَرْكِهِ، ونهى عن أخْذِهِ، كَشَعرِ اللِّحيَةِ والحَاجِبَينِ.
الثَّاني: شَعرٌ أمَرَ الشَّرعُ بأخْذِهِ، فَيُزالُ أو يُؤخَذُ مِنهُ بِقَدَرِ ما حَدَّدَهُ الشَّرعُ، مِثلُ شَعرِ الإبطِ والعَانَةِ، والشَّارِبِ.
الثَّالِثُ: شَعرٌ سَكَتَ عَنهُ الشَّرعُ، فلم يأمُرْ بأخْذِهِ، ولم يَنهَ عن أخْذِهِ؛ وهذا المَسكوتُ عَنهُ دَاخِلٌ تَحتَ قَولِ سَيِّدِنا رَسولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «الْحَلَالُ مَا أَحَلَّ اللهُ فِي كِتَابِهِ، وَالْحَرَامُ مَا حَرَّمَ اللهُ فِي كِتَابِهِ، وَمَا سَكَتَ عَنْهُ فَهُوَ مِمَّا عَفَا عَنْهُ» رواه الترمذي عَنْ سَلْمَانَ رَضِيَ اللهُ عنهُ.
ويَدخُلُ في ذلكَ شَعرُ الأنفِ والصَّدْرِ والسَّاقَينِ والسَّاعِدَينِ.
جاءَ في رَدِّ المُحتارِ: وَفِي حَلْقِ شَعْرِ الصَّدْرِ وَالظَّهْرِ تَرْكُ الْأَدَبِ، كَذَا فِي الْقُنْيَةِ. اهـ. وجاءَ مِثلُ هذا في البَحرِ الرَّائِقِ، والفَتاوى الهِندِيَّةِ، وفي المَوسوعَةِ الفِقهِيَّةِ الكُوَيتِيَّةِ.
وبناء على ذلك:
فأخْذُ شَعرِ صَدْرِ الرَّجُلِ أمرٌ مَعفُوٌّ عَنهُ، ولم يَرِدْ نَصٌّ بِتَحرِيمِهِ والنَّهْيِ عَنهُ، ولكن تَرْكُهُ من الأدَبِ، ما دَامَ لا يَقصِدُ فيهِ التَّشَبُّهَ بالنِساءِ أو الكُفَّارِ، ولا يَجُوزُ للمُسلِمِ أن يُحَرِّمَ شَيئاً بِدُونِ دَليلٍ؛ ولا دَليلَ على تَحرِيمِ حَلْقِ شَعرِ صَدْرِ الرَّجُلِ ، فهوَ أمرٌ مَسكوتٌ عَنهُ شَرعاً، والمَسكوتُ عَنهُ هوَ من رَحمَةِ الله تعالى، روى الحاكم عنْ أبي ثَعْلَبَةَ الخُشَنيِّ رَضِيَ اللهُ عنهُ، عنْ رَسُولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قال: «إن اللهَ حدَّ حُدُوداً فَلا تَعْتَدُوهَا، وفَرَضَ لَكُم فَرائِضَ فلا تُضَيِّعُوهَا، وحَرَّم أشْياءَ فَلا تَنْتَهِكُوها، وتَرَكَ أشْياءَ من غَيْرِ نِسْيانٍ من رَبِّكُم، ولكن رَحْمةً مِنهُ لَكُمْ، فَاقبَلوها ولا تَبْحثُوا فيها». هذا، والله تعالى أعلم.