الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فالمُرَادُ بالفَيْءِ هوَ كُلُّ مَالٍ آلَ إلى المُسلِمِينَ من الكُفَّارِ أَثنَاءَ الجِهَادِ من غَيرِ مُبَارَزَةٍ ولا مُصَاوَلَةٍ، ولا رَكْضٍ بِخَيْلٍ أو جِمَالٍ، والمَقْصُودُ بالآيَةِ هوَ المَالُ الذي آلَ إلى المُسلِمِينَ من أَموَالِ بَنِي النَّضِيرِ، بِحَيثُ خَرَجُوا إِلَيهِم مَاشِينَ على الأَقدَامِ، لأنَّ قُرَى بَنِي النَّضِيرِ كَانَت على بُعْدِ مِيلَينِ من المَدِينَةِ المُنَوَّرَةِ، ولم يَجْرِ قِتَالٌ مَعَهُم.
والوَجِيفُ: هوَ سُرْعَةُ السَّيْر، فَقَولُهُ تعالى: ﴿فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلَا رِكَابٍ﴾. أي: فَمَا أَجرَيْتُم على تَحْصِيلِ هذا الفَيْءِ خَيْلاً ولا إِبِلاً، ومَا قَطَعْتُم لَهُ شُقَّةً بَعِيدَةً، ومَا لَقِيتُم مَشَقَّةً شَدِيدَةً، كَأَنَّهُ قِيلَ: مَا أَفَاءَ اللهُ على رَسُولِهِ، فَمَا حَصَّلْتُمُوهُ بِكَدِّ اليَمِينِ، ولا بِعَرَقِ الجَبِينِ ﴿وَلَكِنَّ اللهَ يُسَلِّطُ رُسُلَهُ عَلَى مَنْ يَشَاءُ﴾. وقَد سَلَّطَ اللهُ تعالى رَسُولَهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ على يَهُودِ بَنِي النَّضِيرِ بِدُونِ قِتَالٍ، وقَذَفَ في قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ، فلا حَقَّ لَكُم في أَموَالِهِم.
وبناء على ذلك:
فالآيَةُ الكَرِيمَةُ تَعنِي بأَنَّ الفَيْءَ الذي آلَ إلى المُسلِمِينَ بِدُونِ جُهْدٍ من الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللهُ عَنهُم، وبِدُونِ سُرْعَةِ سَيْرٍ إِلَيهِم على الخَيْلِ والإِبِلِ، لا حَقَّ لَهُم فِيهِ، وبَيَّنَ اللهُ تَعالى مَصْرِفَهُ، فَقَالَ تعالى: ﴿مَا أَفَاءَ اللهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ﴾. هذا، والله تعالى أعلم.
ارسل إلى صديق |